بمن تقوم به الكفاية، وإن كان العدو مثلي أهل الثغر فما دون، قال الماوردي: فإن كان في صورة إطلال العدو كان في حق غير أهل الثغر فرض كفايةٍ باقياً عليهم، وإن كان في الصورة الأخرى، فهل يسقط بأهل الثغر فرض الكفاية عمن عداهم؟ حكى ابن أبي هريرة فيه وجهين:
أحدهما:[لا،] خوفاً من الظفر بهم؛ فيصير فرض القتال متعيناً عليهم وباقياً على الكفاية في حق غيرهم، وفي "الوسيط" وغيره: أن أهل الثغر إذا كان فيهم كثرة في صور إطلال العدو، فخرج بعضهم وفيهم كفاية، فهل يتحتم على الآخرين المساعدة؟ فيه وجهان.
وأصحهما في "الرافعي": نعم؛ لعظم الواقعة وكون النصر غير منضبط.
وفي "الإبانة" وكذا في "العدة" كما حكاه العمراني: أن العدو إذا لم يدخل بلاد الإسلام، فقتاله فرض على الكفاية، وإن دخل كان على من يقربه فرض عين، وكذا على من بعد عنه إن كان يجد الزاد والراحلة، ويقوى أن يجاهدهم، وإن كان بعيداً ولا يجد الزاد والراحلة، ولا يقوون على قصد العدو، فهل يلزم ذلك؟ فيه وجهان، أحدهما: نعم، ويكون على أعيانهم؛ لقوله تعالى:{انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}؛ فإن القرب والبعد معتبر بمسافة القصر، وفي "الوسيط" إجراء الوجهين [فيما] إذا كان في أهل البلد كثرة، وخرج من تقوم به الكفاية في وجوبه على من هو خارج البلد فيما دون مسافة القصر.
ولو كان العدو قد سار في بلاده إلى نحو بلاد الإسلام، فإن كان غير متأهب للقتال، فقتاله فرض كفاية، كما لو أن مقيماً في بلاده ولم يسر كما ذكرناه، ولكن ينبغي أن يتحرز من مكره، ولو انتهى إلى أن صار بينه وبين بلاد الإسلام يوم وليلة، فالفرض في جهاده كما لو كان مقيماً في بلاده أيضاً، لكن يجب التأهب لقتاله.
قال الماوردي: وفرض هذا التأهب على أعيان [أهل] ذلك الثغر.