وإذا أردنا أن نجمع بين ذلك وبين ما ذكره الشيخ هنا قلنا بعد قوله:"وإن امتنعوا من بذل الجزية والتزام أحكام الملة": أي بالقتال، [ويؤيده أنه] سكت عن ذكر القتال، وعده من جملة النواقض، والله أعلم.
فرع: إذا امتنع الواحد منهم من بذل الجزية، فإن كان مع بقائه على التزامها لم يكن ذلك نقضا لعهده، وأخذت منه جبرا، بخلاف الجماعة؛ لأن إجبار الجماعة [عليها] متعذر، وإجبار الواحد ممكن، وإن امتنع من أدائها لامتناعه من التزامها – كان نقضا للعهد كالجماعة، قاله الماوردي، وما قاله فيما إذا امتنع من الأداء لا غير مع القدرة، هو ما أبداه الإمام احتمالا لنفسه بعد حكايته عن الأصحاب انتقاض العهد – أيضا – واستحسنه.
ولو قاتل المسلمين بعضهم، وقعد عنه بعضهم – انتقض عهد المقاتل، قال الماوردي: ونظر في القاعد، فإن ظهر منه الرضا كان نقضا لعهده، وإن لم يظهر منه الرضا كان على عهده، وهذا قد حكاه البندنيجي في المهادنين.
وقال في أهل الذمة: إنه إذا انتقض عهد بعضهم لم ينتقض في حق الباقين، سواء سكتوا على فعلهم أو لم يسكتوا؛ لأن عقد الذمة أقوى من عقد الهدنة.
قال: وإن زنى أحدهم بمسلمة، أو أصابها [باسم نكاح]، أو آوى عينا للكفار، أي: جاسوسا، أو دل على عورة للمسلمين، أي: على خلل؛ لأن العورة في اللغة:[هي] كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب، أو فتن مسلما عن دينه، أو قتله، أو قطع عليه الطريق – نظر: فإن لم يكن قد شرط ذلك في عقد الذمة، أي: لفظا –لم ينتقض؛ لأن هذه الأشياء وإن اقتضى العقد المنع منها؛ لأنها محرمة لا تحل بمقصوده؛ فلم يمنع تعاطيها من استمرار حكمه.
قال: وإن شرط عليهم، أي: باللفظ – فقد قيل: ينتقض؛ لما روي أنه رفع إلى أبي عبيدة بن الجراح نصراني استكره امرأة مسلمة على الزنى، فقال: ما على هذا