قال: لا يجوز عقد الهدنة، أي: لأهل إقليم أو صقع عظيم أو خلق كثير إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام، أي: عقدها؛ لأنه باطلاعه على جميع الأمور أعرف بمصالح ذلك من آحاد الناس، وعلى التدبير والسياسة أقدر، وبحراسة الملك أخبر؛ فاختص به، ولو فوض إلى آحاد الناس أفضى إلى تعطيل الجهاد، أما عقد الهدنة لآحاد الكفار والنفر اليسير فقد تقدم الكلام فيه في قتال المشركين، فلو عقدها على العموم آحاد المسلمين لم يغتالوا، بل يردون إلى المأمن، وولاة الثغور المفوض إليهم الجهاد وحده لا يجوز إليهم عقد الهدنة إلا قدر الاستراحة وهي أربعة أشهر، ولا يجوز أن يكون سنة؛ لأن عليه أن يجاهد في كل سنة، وفيما بينهما قولان حكاهما الماوردي، وأطلق الرافعي والفوراني وغيرهما أنه يجوز لولي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة على ذلك الإقليم للحاجة، وكأنه مأذون بتفويض مصلحة الإقليم إليه، قال الفوراني: ولا يجوز أن يعقدها مع إقليم كالهند.
قال: وإذا رأى في عقدها مصلحة، أي: مثل أن يرجو إسلامهم، أو بذل الجزية، أو معاونة المسلمين على قتال غيرهم، أو ضعف المسمين وقوتهم – جاز أن يعقد؛ لما ذكرنا.
قال: ثم ينظر: فإن كان مستظهرا فله أن يعقد أربعة أشهر؛ للآية.
قال الشافعي: وكان ذلك في أقوى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [حين منصرفه من تبوك، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح [فر] صفوان بن أمية إلى الساحل على أن يلقي نفسه في البحر، فأخذ له بعض أهله الأمان، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: بلغني أنك وأمنتني فاجعله شهرين، فقال:"وأربعة"، وكان – عليه السلام – يرجو [الإسلام منه]، وأسلم قبل مضي المدة، وحسن إسلامه.
قال: ولا يجوز سنة؛ لأن الله تعالى قد كان منع منه بعد فرض الجهاد بقوله