إذا ادعى الطالب الزوجية وأنكرتها، قال الماوردي وابن الصباغ: لم تقبل دعواه إلا بشاهدين من عدول المسلمين يشهدان بنكاحه. و [هذا يدل] على عدم توجه اليمين عليها، وقد صرح أبو الطيب والبندنيجي بحلفها، ولو ادعى إقباضها الصداق، وكذبته – فكذلك القول قولها، ولا يمين عليها، كما قاله الماوردي وتبعه الروياني؛ لأن رده مستحق على غيرها، وطولب الزوج بالبينة، ويكفيه شاهد ويمين أو شاهد وامرأتان، وفي "الشامل": أن قولها مقبول باليمين.
وعن "تعليق" الشيخ أبي حامد: أنهما إذا اختلفا يفحص الإمام عن مهر مثلها، وقد تمكنه معرفته من تجار المسلمين الذي دخلوا دار الحرب [أو من] الأسرى، ثم يحلف الرجل: إنه أصدقها [ذلك القدر] وتسلمته، ولو صدقته على النكاح والقبض ثبت الغرم حيث بينته – صرح به الماوردي والبندنيجي وأبو الطيب وابن الصباغ – لعسر إقامة البينة على ما يجري بين الكفار.
ورأى الإمام ألا يعتمد قولها، ولا يجعل حجة علينا.
قال: وإن تحاكموا إلينا لم يجب الحكم بينهم؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢]، وقد ذكرنا أنها نزلت في يهود المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادنهم بغير عوض، ويقال: إنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، ويشهد له قوله تعالى:{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ}[المائدة: ٤٣]؛ ولأن المشروط معهم الكف عنهم دون الدفع؛ فكان عدم الوجوب من مقتضى الشرط، بخلاف أهل الذمة؛ فإن عقدهم اقتضى الذب عنهم. وعلى هذا: لو ترافعوا إلينا، فاختار الحاكم أن يحكم بينهم – كانوا مخيرين بين التزام حكمه بعد الحكم وبين رده، سواء في ذلك حقوق الله – تعالى – وحقوق الآدميين، صرح به الماوردي في باب حد الذميين، ولا فرق في ذلك بين أن [تختلف ملتهما أو تتفق].