وحكى الإمام عن طوائف من المحققين أنه يجب الحكم في الحالة الأولى، وعن بعض الأصحاب: أنا إنا قلنا في الذميين المختلفي الملة قولا واحدا: [إنه يجب الحكم] ففي المعاهدين المختلفي الملة قولان.
قال: وهذا عندي ذهول عن حقيقة العهد؛ فإنا [لم نلتزم] لهم الذب [عنهم]. نعم، ما حكيناه عن المحققين محمول على أصل، وهو أن طائفة من أهل العهد إذا دخلوا دارنا، ثم بارزوا، وأخذوا [يصطدمون ويتجالدون] بالسيوف – فهل يجوز تركهم على هذه الحالة؟ الذي ذهب إليه أهل الايالة: أنه لا يجوز، لما فيه من جهر الفساد، فعلى هذا ينبني قول المحققين؛ حتى لا يؤدي إلى المحذور الذي أشرنا إليه، والمذهب عندي: القطع بأنه لا يجب الحكم وإن اختلفوا ملتهم.
ولا خلاف في أنهم إذا تحاكموا مع المسلمين وجب الحكم، ولو تحاكموا مع أهل الذمة ففيه طرق تقدمة في الباب قبله.
قال: وإن خيف منهم نقض العهد جاز أن ينبذ إليهم [عهدهم]؛ لقوله تعالى: [{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}] الآية [الأنفال: ٥٨]، والخوف المؤثر هو الحاصل عن سبب ودلالة على الخيانة في الباطن بما لو أظهره لانتقض به العهد، كما نقله الماوردي، ومثله [البندنيجي]؛ بأن يعين على المسلمين، أو يتجسس للمشركين.
وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما: لا تعويل على حديث النفس
والخاطر، وقد عزي إلى النص في "الأم"، والفرق بين أهل العهد والذمة: أن عقد
الهدنة للمسلمين؛ بدليل عدم وجوبه، [ومن جملة النظر لهم نقضه عند خوف