ولا يشترط في هذا أن يصدر الفعل من الكل، بل لو [فعله البعض] ولم ينكره الباقون، انتقض عهد الجميع، بخلاف أهل الذمة، كما تقدم.
ويدل عليه: أنه صلى الله عليه وسلم لما هادن يهود بني قريظة، أعان بعضهم أبا سفيان بن حرب [على حرب] النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق، وقيل:[إن] الذين أعانوه: حيي بن أخطب وأخوه وآخر؛ فنقض به عهدهم، وغزاهم حتى قتل رجالهم إلا ابني سعية: أسيد وثعلبة، وسبى ذراريهم.
وكذلك لما عقدت الهدنة بينه وبين أهل مكة عام الحديبية كانت خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم داخلين معه في الهدنة، [وبنو بكر حلفاء قريش داخلون معهم في الهدنة]، فقتل بعض بكر رجلا من خزاعة، وآوى بعض أهل مكة القاتل، ولم ينكر الباقون على من فعل ذلك؛ فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان الفتح.
ولأن عقد الهدنة يتم بعقد بعض المشركين ورضا الباقين، ويكون السكوت رضا بذلك؛ فوجب أن يكون النقض مثله. أما إذا أنكر من لم يفعل على الفاعلين بقول أو فعل، أو اعتزلوهم، أو كاتبوا الإمام بصنيعهم، وأنهم باقون معه على العهد – لم ينتقض إلا عهد الناقضين؛ قال الله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} الآية [الأنعام: ٤٤].
ثم إن كانوا متميزين عنهم، وإلا أمرهم أن يتميزوا، والقول قول من ادعى عدم الرضا، كما قاله أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما، فإن لم يتميزوا مع القدرة، قال الماوردي: صار الكل ناقضين للعهد.
قال الرافعي: ووراء ذلك شيئان مستغربان:
أحدهما: قال الإمام: لو بدت خيانة من بعضهم، وسكت الآخرون، ولم ينكروا – كان للإمام أن ينبذ إليهم، وهكذا كان قضية أهل مكة.
والثاني:[أنه] في كتاب ابن كج: أنه لو نقض السوقة العهد، ولم يعلم