تحققها وإن كان [و] لابد من التعزيز بالجناية المتوقعة فهي غير منحصرة؛ فلتجز الزيادة على الثمانين، وقد منعوها؛ فالوجه هو الأول، ويكون حد الشرب مخصوصا من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه، ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام.
واعلم أن ما ذكرناه في شرب المسكر مطرود فيما إذا أكل المسكر من الشراب بخبز، أو ثرد فيه وأكل الثريد، وكذا لو طبخ به اللحم وأكل المرق؛ كما قال ابن الصباغ، وإن [أكل] اللحم فلا حد؛ لأن عين المسكر لم تبق فيه، بخلاف المرق؛ فإن عين السكر فيه، وكذا لو عجن به الدقيق وخبزه وأكل الخبز؛ فلا حد، وروى بن كج فيه وجها آخر.
قال الرافعي: وفي معنى هذه الصورة: المعجون الذي فيه الخمر، والظاهر: أنه لا حد فيه؛ لاستهلاكه.
وقد حكى الوجهين في هذه الصورة صاحب "البحر" قبل كتاب الشهادات بأوراق يسيرة، وقال: الصحيح: المنع؛ لأنه لا يلتذ به.
وعلى هذا قال الإمام: من شرب كوز ماء وقعت فيه قطرات من الخمر، والماء غالب بصفاته –لم يحد؛ لاستهلاك الخمر فيه. ثم أحال الكلام فيه على باب الرضاع.
ولو استعط بالخمر أو احتقن لم يحد، قاله ابن الصباغ؛ لأنه ليس بأكل ولا شرب.
تنبيه: ظاهر كلام الشيخ يقتضي أنه متى شرب المسكر جلد، وقد قال الأصحاب [من العراقيين] وغيرهم: لا يقام عليه الحد في حال سكره. وسكتوا عما إذا فعل في حال السكر، هل يعتد به أم لا؟ وحكى القاضي الحسين فيه وجهين:
أحدهما: لا يعتد به.
والثاني: يعتد به.
وأجراهما فيما إذا أفاق ثم جن، فحد في حال جنونه، ووجه المنع بأن المقصود منه الردع والزجر، وهو لا يرتدع بذلك، ووجه مقابله: أنه إن لم يرتدع ارتدع غيره.