العدو عن المسلمين بعد أن وطئ بلادهم فلا يكون القضاء أهم منه، بل ذلك أهم من القضاء، والمفسدة المتوقعة أعم، حتى لو فرض شخص تعين القضاء، وتعين لدفع الضرر عن الإسلام والمسلمين لكونه متبعاً مطاعاً- لكان اشتغاله بدفع العدو أولى بمقتضى هذه العلة.
وكذا قول الإمام وابن الصباغ وصاحب "الكافي" وغيرهم: إن القضاء من أعلى القربات، واستدلوا لذلك بما روي [أن] ابن مسعود قال: لأن أجلس فأقضي بين اثنين بحق واجب [أحب] إلي من عبادة سبعين سنة. واستأنسوا في ذلك بآيات وأخبار نذكر منها ما تيسر:
فمنها: قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}[النور: ٤٨]، قدم الله- تعالى- من يمتنع عن الإجابة إلى القضاء، ومدح من يجيب إليه [إذا دعي] بقوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية؛ فدل [ذلك] على علو قدره.
ومنها: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيومٌ مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةٍ، وَحَدٌّ يُقَامُ فِي أَرْضِ اللهِ بِحَقِّهِ أَزْكَى مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً".
وقال عليه السلام:"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ .. ".