فإن قيل: هذا وإن كان لفظه لفظ استفهام، فمعناه الإخبار ما كان يعلمه من حالهم في العدم وضيق الثياب، فكأنه يقول: وإذا كنت بهذه الصفة، وليس لكل واحد منكم ثوبان، والصلاة واجبة عليكم، فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد [جائزة]، وإذا كان كذلك فلا يدل أن ذلك يكفي عند القدرة على أكثر منه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجابر: "إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقَاً؛ فاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوَيْكَ"- كما رواه أبو داود- يحتمل أن يحمل على حالة العدم.
والحقو- بفتح الحاء المهملة وكسرها-: الإزار، والأصل فيه: معقد الإزار، ثم سُمِّيَ به الإزار؛ للمجاورة، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلقه باعتبار الأصل.
فالجواب: أن فعل جابر يرد ذلك؛ فإنه روي أن جابراً صلى في إزاره، ورداؤه على المِشْجَب، فقال واحد: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصلي في إزارٍ ورداؤك على المشجب؟! فقال: عمداً فعلتُ؛ ليراني جاهلٌ مثلُك فيعلم أن ذلك جائز، فأينا كان له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان؟!
قال: إلا أن المستحب أن يطرح على عاتقه شيئاً؛ لما روى عن عمر بن أبي سلمة "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة، واضعاً طرفيه على عاتقه". أخرجه الشيخان، وفي رواية أخرجها الترمذي: "واضعاً طرفيه على منكبيه". قال البغوي: وهو متفق على صحته.