للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالإقرار، ويجعل إنكاره رجوعاً عنه. وما قاله من عدم إيجاب الحد والقطع هو المذكور [في "تعليق" القاضي أبي الطيب و"الحاوي" وغيرهما في الباب المذكور].

لكن في "النهاية" في كتاب السرقة حكاية عن الأصحاب: أن القطع يجب باليمين المردودة؛ لأنا إن جعلناها كالإقرار، فالقطع يثبت به، وإن جعلناها كالبينة، فهي كبينة كاملة؛ بدليل أن القصاص يثبت بها، ثم قال: وقد يخطر للناظر في هذا أدنى إشكال؛ لأن اليمين لا تتعلق إلا بالمال [فقط]، والقطع لله- سبحانه- ولو قال رجل: استكره فلان جاريتي وزنى بها، فأنكر المدعى عليه، وأفضت الخصومة إلى [يمين الرد]- فالمهر يثبت بها، ويبعد أن يثبت حد الزنى؛ فإذن [يجب] ترديد الرأي في ثبوت حد السرقة لما أشرنا إليه، ويجب القطع بأن حد الزنى لا يثبت، وما قاله العراقيون أظهر، لكن قد يعضد القول بأن النكول مع اليمين كالبينة بنص الشافعي- رضي الله عنه- في "الأم"؛ حيث قال- كما حكاه في "البحر" وغيره في كتاب الدعاوى-: لو تعلق رجل برجل، فقال: أنت عبدي، فقال: بل أنا حر الأصل- فالقول قوله، واصل الناس على الحرية حتى تقوم بينة أو يقر برق، ويُكلف المدعي البينة: فإن جاء بها كان العبد رقيقاً [له]، وإن لم يأت بالبينة أحلف له العبد: فإن حلف كان حرّاً، وإن نكل لم يلزمه الرق حتى يحلف المدعي على رقه، فيكون رقيقاً له، وهكذا الأمة مثل العبد سواء.

قلت: فلو كان النكول مع اليمين كالإقرار لم يثبت رقه؛ لأن الإقرار بالرق بعد الاعتراف بالحرية غير مقبول على الأصح، والله أعلم.

وقد بنى القاضي الحسين على القولين ما إذا أراد المدعى عليه إقامة بينة على الإبراء وأداء المال بعد حلف المدعي، فإن جعلناها كالبينة سمعت بينة المدعى عليه، وإن جعلناها كالإقرار فلا تسمع؛ كما لو أقر صرحياً، ثم أقام شاهدين. وهذا البناء مذكور في "الرافعي"- أيضاً- وبنى في "المهذب" عليها ما إذا ادعى [رجل] على

<<  <  ج: ص:  >  >>