وهكذا لو ادعى عليه: أنه أتلف عليه ثوباً قيمته عشرة دراهم تعديًا، أو خطأ بغير إذن المالك، وطالبه بقيمته، فقال مجيباً: أتلفته بغير إذنك وهو ملكك، ولكن ما تستحق عليّ قيمته ولا شيئاً منها- فلا يسمع منه أيضاً إجماعاً مع إمكان الإبراء.
ولو قالت: تزوجني تزويجاً صحيحاً بولي مرشد وشاهدي عدل، على صداق مائة دينار، وسلمت نفسي إليه، ودخل بي، فقال مجيباً: تزوجتها [كذلك على ما ذكرت]، ودخلت بها، ولكنها ما تستحق علي هذا الصداق ولا شيئاً منه- فلا يسمع منه على المذهب الصحيح.
وحكي فيه وجه عن الشيخ أبي عاصم العبادي في "فتاويه": أنه يسمع منه، والقول قوله في نفي الصداق، ولم يذكره أحد من الأصحاب في كتب المذهب، ولا ذكره الشيخ أبو عاصم في إنكار الثمن في البيع.
والسبب في عدم قبول إنكاره مع إمكان البراءة: أنه اعترف بالسبب الشاغل لذمته؛ فلا يسمع منه نفيه إلا بدعوى قبض أو براءة؛ فهكذا في مسألتنا قيام البينة للخارج بسبب ظاهر في ثبوت الملك له، وترجيح [جانبه]، فإذا انضم إليه تصديق الداخل بها، تأكد الظهور، وقوي جانب المشهود له بالملك، واعترف بما يوجب عليه التسليم إليه؛ فيلزمه التسليم قولاً واحداً، وإن ادعى ناقلاً فعليه بيانه، أو ما يقتضي إبقاءه في يده فعليه إظهاره، أو إثباته قولاً واحداً، أو إظهاره والدعوى به على أحد الوجهين إن كان إجارة.
قلت: وكلام الأصحاب في الوديعة يدل على ما قاله ابن أبي الدم؛ حيث قالوا: لو ادعى وديعة، فقال: ما لك عندي شيء، فأقام المودع بينة بالإيداع، فقال: أودعني ولكنها هلكت- قبل قوله؛ فلو لم تكن إقامة البينة بالإيداع موجبة للمطالبة بالتمكين من الوديعة؛ لما احتاج المودع إلى دعوى التلف.
وكذا قول من قال من أصحابنا إذا مات المودع، ولم توجد الوديعة في تركته: إنه يضمن، فلو لم يكن مجرد الإيداع يقتضي وجوب الرد والمطالبة به، ودعوى التلف والرد هي المسقط للضمان- لما ضمنه؛ لأنه يحتمل التلف.