ما ذكرته من الالتزام- أيضًا- لأن القاضي أب الطيب قال: إذا نكل المدعي عن القسامة، والمدعى عليه عن اليمين أيضًا، فهل ترد على المدعي؟ قال الشافعي: إن كان في ردها إليه فائدة، ردت، وإن لم يكن في ردها فائدة، فهل ترد أم لا؟ فيه قولان.
وإذا ظهر لك [ذلك]، علمت أن هذه الطريقة راجعة للطريقة الذاهبة إلى أن محل القولين إذا قلنا: إن يمين الرد تتعدد، أما إذا قلنا: تتحد، فترد، والله أعلم.
وهذا كله ساقنا إليه ما أورده المارودي من ثبوت الدية عند امتناع المدعى عليه من الحلف، والذي يظهر صحته: عدم الثبوت، كما اقتضاء [كلام] غيره، لأن اللوث اقتضى ترجيح جانب المدعي، كما اقتضى إقامة المدعي شاهدًا بالمال ترجيح جانبه حتى جعلت اليمين في جنبته، وقد تقدم أنه لو أقام شاهدًا، وامتنع من الحلف، [وطلب يمين المدعى عليه، فامتنع من الحلف]- لا يثبت عليه المال [المدعي]، فكذلك ها هنا.
نعم، حكينا ثم عن الشيخ أبي حامد: أن المدعى عليه إذا امتنع من اليمين، وقد أقام المدعي شاهدًا، ونكل عن الحلف، وقلنا: لا ترد على المدعي- أنه يحبس المنكر حتى يحلف، أو يعترف، لأنه قد تعين عليه، فلا يكون له إسقاطه، ومقتضى هذا التعليل: أن نقول بمثل هذا هنا.
قال: وإن لم يكن لوث، حلف المدعى عليه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:((البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه))، وقصة الأنصار لا تعارض هذا، لأنها مفروضة مع اللوث، فخرجت من عموم هذا الخبر، وأجري فيما عداها [على عمومه]، لأن الأصل براءة الذمة.
قال: يمينًا واحدة في أحد القولين، للخبر السابق، فإنه أدخل الألف واللام في اليمين، وإدخال الألف واللام يقتضي الجنس، والجنس إذا كان غير محصور اقتضى ما يقع عليه الاسم، وهو إذا حلف يمينًا واحدة فقد أتى بما يقع عليه الاسم.
ولأنها يمين من جانب المدعى عليه شرعت لقطع الخصومة، وإسقاط الدعوى، فوجب أن تكون واحدة كما في سائر الدعاوى.