تحليف بغير الله، وإنما يحلفه بمن أنزل القرآن، وقال: إن هكذا قاله الشيخ أبو علي، وإن الشيخ أبا زيد قال: لو حلفه بما في المصحف لا يكون يمينًا، لأن في المصحف سوادًا وبياضًا.
نعم، لو حلفه بما في المصحف من القرآن [أو بما هو مكتوب، أو حلفه بالقرآن]- فهو يمين.
والماوردي لما [أن ذكر] ما حكيناه عنه قال: وهل يجزئ الحلف بالمصحف عن الحلف بالله؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجزئ، ويسقط به وجوب اليمين، لاشتراكهما في الحنث بهما، ووجوب التكفير فيهما.
والثاني: لا يجزئ، ولا يسقط به وجوب اليمين، لأن من الفقهاء من لا يعلق عليه حنثًا، ولا يوجب به تكفيرًا.
فإن قلت: إذا كان مذهب الحاكم انعقاد اليمين به ووجوب التكفير، فلا نظر إلى مخالفة غيره، كما نقول في سائر المواضع المختلف فيها، حتى قال الأصحاب لو كان القاضي يعتقد وجوب الحق، والمستحلف لا يعتقده- تنعقد اليمين على عقيدة القاضي، كما سنذكره.
قلت: المواضع المختلف فيها على قسمين:
منها: ما لا مندوحة للقاضي عن ارتكابه، لكون لا طريق له غيره، وهي [التي] يعتبر فيها رأي القاضي، [وإلا لانسد] عليه باب الحكم.
ومنها: ما له منه بد، [وهو ما] نحن فيه، فإنه يمكنه أن يستحلف بما هو متفق عليه، فكذلك بان الخلاف.
ويعضد ذلك أن الأصحاب متفقون على أن القاضي يقضي بالشاهد واليمين في الأموال، إذا لم يكن الإثبات بشاهدين، فلو أمكن قالوا: فهل يقضي به؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي أيضًا، نظرًا لما ذكرناه، وسنذكرهما في موضوعهما، إن شاء الله تعالى.