ولا يصح أن يقال: الحاكم قضى بالحق، فكيف يكون باطلًا، لأن السبب الذي يستند إليه القضاء إذا كان باطلًا من جهة الشرع، كان القضاء باطلًا، وإن وافق الحق عند الله تعالى، ولهذا نقول: من اعتقد التوحيد عما ظنه دليلًا، وليس بدليل في الحقيقة، فهو غير عارف بالتوحيد، كمن اعتقده لا عن دلالة أصلًا.
نعم، لو كان فسقه مجتهدًا فيه، والقاضي يتجوزه، لزمه الأداء، قاله القاضي الحسين.
قلت: وينبغي أن يجئ فيه ما ذكرناه في الشاهد الواحد، لأن القاضي قد يتغير اجتهاده، ولأجل هذه العلة قال الرافعي: لو كان الحاكم يرى رد الشهادة بذلك الفسق، يجب عليه الأداء على الأظهر، لأنه قد يتغير اجتهاده.
وحكى عن ((أمالي)) أبي الفرج السرخسي وجهًا: أنه لا يجب في الفسق المجتهد فيه إذا كان ظاهرًا، [لأن الظاهر] استمرار الحاكم على اجتهاده، وأن في كتاب القاضي ابن كج إطلاق القول بأن عليه أن يشهد إن كان فسقه خفيًأ، وإطلاق الوجهين فيما إذا كان ظاهرًا.
[و] عندي أن ذلك عين ما نقله عن أبي الفرج، إلا أن يكون ابن كج حكى الوجهين في الفسق الظاهر، سواء إن كان الحاكم يراه فسقًا، أو لا، فحينئذ يكون غيره، ويكون موافقًا لما قلت: إنه يجب تخرجيه.
ومن هذا النوع: ما إذا دعي ليشهد بالحق عند جائر في المشهود به، لا تلزمه الإجابة- كما قاله الماوردي- ووجهه: أن في ذلك إعانة على المعصية.
نعم، لو كان جائزًا متعنتًا في أداء الشهادة، فهل يجب على الشاهد الأداء؟ فيه وجهان عن رواية الشيخ أبي الفرج، ووجه المنع: أن الشاهد لا يأمن أن ترد شهادته جورًا وتعنتًا، فيتعير.
ومنها: أن يلحقه في بدنه، وذلك في صور:
إحداها: خوفه من عقوبة تلحقه من سلطان جائر، أو عدم قاهر، أو فتنة عامة، فلا يجب عليه الأداء.