للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الماوردي هنا: إنه مبني على خلاف ذكره العلماء في تأويل قوله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: ((لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك، والثانية عليك ...)).

فمنهم من قال: يريد لا تتبع نظر عينك نظر قلبك، فعلى هذا لا يأثم بالنظر بغير شهوة، ويكون على عدالته، وقد حكى الإمام هذا عن الجمهور.

ومنهم من قال: لا تتبع النظر الأولى التي وقعت سهوًا بالنظرة الثانية التي أوقعتها عمدًا، فعلى هذا يكون بمعاودة النظر آثمًا يخرج به عن العدالة، فلا تقبل شهادته إلا بعد التوبة، وهذا ما ذهب إليه طوائف من الأصحاب.

وقال الإمام في أول كتاب النكاح: إن إليه ميل العراقيين.

ثم إذا جاز أن ينظر إلى وجهها، ليعرفها في الشهادة لها عليها، قال في ((البحر)): قال جمهور الفقهاء: يجوز أن ينظر إلى جميع وجهها، لأن جميعه ليس بعورة، وعلى هذا هل يجوز النظر إلى كفيها؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، لأنه ليس بعورة.

والثاني- وهو قول الأكثرين-: لا يجوز، لاختصاص المعرفة بالوجه.

وقال في ((الحاوي)) بعد حكاية أقوال العلماء فيما يباح النظر إليه من الوجه عند التحمل أوردها الروياني [أيضًا]: والصحيح أنه ينظر إلى ما [يعرفها به]، فإن كان لا يعرفها إلا بالنظر إلى جميع وجهها، جاز له النظر إلى جميعه، وإن كان يعرفها بالنظر إلى بعض وجهها، لم يكن له أن يتجاوزه إلى غيره.

وفي ((الرافعي)): إن الصميري ذكر أنه لو نظر إلى أكثر وجهها وسمع كلامها، جاز، ولعله محمول على إحدى هاتين الحالتين.

قال الماوردي: ولا يزيد على النظرة الواحدة إلا ألا يتحقق إثباتها إلا بنظرة ثانية، فيجوز [منه]، وسنذكر من بعد شيئًا يتعلق بذلك.

قال: وإن كان عقدًا- أي: [من] بيع ونحوه، وطلاق ونحوه، أو إقرارًا- فلابد من مشاهدة العاقد، والمقر، وسماع كلامهما- أي: ولا يكتفي في ذلك بالتسامع- لأن ما أمكن إدراكه بعلم الحواس، لم يجز أن يعمل فيه بالاستدلال المفضي إلى غالب الظن.

<<  <  ج: ص:  >  >>