وفي ((الإشراف)) عند الكلام في الجرح والتعديل: أن الشاشي قال: تسمع في العدالة الشهادة بالشيوع من جماعة وافرة، وهذه صورة خامسة.
قال: وأما النكاح، والوقف، والعتق، والولاء- فقد قيل: يشهد فيها بالاستفاضة، لأن هذه الأشياء إذا ثبتت بقيت ودامت واشتهرت، وشهود المشاهدة [قد] يزولون لطول الزمان، فلو قلنا: لا تثبت بالاستفاضة، لتعطلت غالبًا.
وقد أيد في النكاح بأن أحدًا لا يشك في أن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، والمستند فيه الاستفاضة، وهذا قول صاحب ((التخليص))، و ((الإيضاح))، وابن أبي هريرة، والإصطخري، وقال في ((الشامل)): إنه أقيس، وقال في ((البحر)): إنه أصح عندي، واختاره في ((المرشد))، والنواوي، و [في]((الحاوي)): أن بعضهم جزم به في الولاء، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:((الولاء لحمة كلحمة النسب)).
وحكى أنه هل يحتاج عند الشهادة بالزوجية إلى أن يرى الزوج داخلًا إليها، وخارجًا من عندها- وجهين كالتصرف في الملك مع تظاهر الخبر.
وقيل: لا يشهد، لأن ذلك نشأ عن لفظ مسموع، فأشبه البيع.
قال البندنيجي: وهذا قول أبي إسحاق وغيره من أصحابنا.
وقال القاضي الحسين: إنه الأظهر. وتبعه الإمام، والغزالي، والقاضي الروياني في ((جمع الجوامع)).
وقال في ((البحر)): إنه الأشبه بمذهب الشافعي [والأصح].
وقال الرافعي: إن به أجاب القفال في ((الفتاوى))، وأن العبادي رجحه أيضًا، وأن هؤلاء قالوا: ما ذكره الأولون يمكن تداركه بالشهادة على شهود الأصل، واستحبوا للحاكم أن يجدد شهود كتب الوقف مهما خاف انقراض الأصول.
قلت: وهو الذي نص عليه الشافي كما حكاه الأصحاب عنه في باب عقد الذمة.
وعن صاحب ((العدة)) أن هذا ظاهر المذهب، لكن الفتوى بالجواز للحاجة. ثم أعلم أن محل الخلاف المذكور فيما إذا استفاض أن هذه زوجة فلان، لا عقد النكاح بينهما، وأن هذا وقف على فلان أو جهة عامة كما قاله الصيدلاني وغيره، لا أن فلانًا أنشأ الوقف.