وقال الإمام بعد حكاية ما ذكرناه أولًا: وهذا في قياس الفقه خطأ صريح، فإن قول الشخص الواحد من غير إشاعة في حكم الدعوى حيث ذكروه، ونحن وإن كنا نثبت نسب المولود بالدعوى فيستحيل أن يجوز اعتمادها للشهادة على النسب مطلقًا. نعم، يشهد الشاهد على الدعوى، ثم يقع الحكم بموجبها، وعلى هذا جرى الغزالي.
وقال الرافعي: إنه القياس الظاهر، وربما أمكن تنزيل إيراد بعض الناقلين عليه، وهو في ((الحاوي))، لأنه قال: إذا قال رجل لرجل: أن ابنك، وصدقه، ثبت بتصديقه النسب، ويكون ثبوته بينهما بالإقرار، وتكون الشهادة عليه كالشهادة على الإقرار.
وإن لم يصدقه، ولم يكذبه، فإن لم يشهد حال إمساكه بالرضا لم يثبت النسب، و [إن] شهد حال إمساكه بالرضا، فقد قال أبو حامد الإسفراييني: يثبت النسب، لأن الرضا من شواهد الاعتراف، وهذا على الإطلاق ليس بصحيح، والحكم فيه: أنه إن لم يتكرر ذلك لم يكن اعترافًا بالنسب، وإن تكرر وزال عنه شواهد الخوف والرجاء في أحوال مختلفة، صار اعترافًا بالنسب، لأن أكثر الأنساب بمثله تثبت. وهكذا لو ابتدأ أحدهما فقال للآخر: أنا أبوك، اعتبر حال الابن بمثل ما اعتبرت به حال الأب، وكان الجواب فيهما سواء. وهذا منه يدل على أن قول أي حامد في جواز الشهادة على الإقرار بالنسب في حالة السكوت لا على أصل النسب، فإن الصحيح أنه إذا تكرر منه الإقرار والسكوت يجوز أن يشهد على إقراره بالنسب، لأنه لا يريد شواهد حاله بالرضا بالتصديق [على التصديق]، وقد تقدم القول بأن شهادته عند التصديق تكون على الإقرار، وكلام البندنيجي لا يأبى ذلك، فإنه قال: لو سمع رجلًا يقول لمجهول النسب: هذا ابني، أو سمع رجلًا يقول [لرجل]: هذا أبي: والأب ساكت، صار متحملًا للشهادة، لأن سكوت سكوت راضٍ بذلك.