وحكى في كتاب اللقيط: أنه لو رأى في يد رجل صغيرًا يدعوه بأمره، وينهاه، ويستخدمه، هل [له] أن يشهد له بالملك؟ فيه وجهان عن رواية الشيخ أبي علي، وعن غيره: أنه إن سمعه يقول: هو عبدي، أو سمع الناس يقولون: هو عبده- شهد له بالملك، وإلا فلا.
قال: ومن كانت عنده شهادة لآدمي، لم يشهد بها- أي: ولو بعد الدعوى- حتى يطالب بها صاحب الحق، كي لا يتهم، وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو فيه الكذب، فيحلف الرجل اليمين لا يسألها، ويأتي بالشهادة قبل أن يسألها))، وهذا ساقه مساق الذم، فاقتضى المنع.
قد روى أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:((شر الشهود الذين شهدوا قبل أن يستشهدوا))، فلا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب الحق قد علم بشهادته [له] أو لا [يعلم].
نعم، إذا لم يعلم يستحب له أن يعلمه [حتى] يستدعيه فيشهد [له].
فإن شهد قبل أن يستشهد، لم تقبل شهادته، للتهمة، الحديث دال عليه. قال الماوردي قبيل باب شروط الذين تقبل شهادتهم: وكان ما فعله مكروهًا.
فإن قيل: فقد روى مسلم وغيره عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ألا أخبركم بخير الشهداء: الذي يأتي بشهادته- أو يخبر بشهادته- قبل أن يسألها)) الشك من عبد الله بن أبي بكر أحد الرواة، وهذا يقتضي الندب فضلًا عن الجواز.
قلنا: قد قال بالجواز بعض الأصحاب فيما إذا وقعت الشهادة بعد الدعوى،