فصحح الشهادة [بعد الدعوى]، اعتمادًا على ظاهر الخبر، ويوافقه ما حكيناه في باب صفة القضاء: أن للقاضي أن يسأل المدعى عليه بعد الدعوى، وكذا الحكم بعد إقامة الشهادة من غير طلبه على رأي فيهما، لأن ذلك مقصود الدعوى.
أما إذا وقعت الشهادة قبل الدعوى، فقد قال هذا القائل: إنها لا تسمع، وعلى هذه الحالة يحمل الحديث الأول، أو على حالة كذبه، لأنه- عليه السلام- قال:((ثم يفشو الكذب))، أو على الشهادات التي يقطع بها على المغيب، فيقال: فلان في الجنة، وفلان في النار، ونحو يذلك.
والصحيح الأول، وهو الذي أورده البغوي.
وعلى هذا: فالحديث الثاني إن كانت الرواية فيه أن يخبر شهادته فهو موافق لما ذكرناه، ولا يحتاج إلى تأويل، وإن كانت: أن يأتي بشهادته فهو محمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة من القطع في السرقة، والجلد في الحدود، وغير ذلك مما سنذكره، أو على ما يعلمه دون غيره، ولو لم يظهره لضاع حكم من أحكام الدين، وقاعدة من قواعد الشرع، أو على الشهادة في [الأمانة والحقوق تكون لليتيم والمجنون، والزكاة، والكفارة، فإن الشهادة في] ذلك تسمع عندنا قبل الاستشهاد، كما صرح به في ((البحر)) في الفروع قبل كتاب الشهادات، وفي ((الحاوي)) قبيل باب شروط الذين تقبل شهادتهم، وقالا: إنه يندب إلى ذلك.
أو على سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد، فلا يمنعها، ولا يؤخرها كما يقال: الجواد من يعطي قبل السؤال، عبارة عن حسن أدائه وتعجيله.
أو على حالة عدم علم المشهود له، كما ذكره بعض أصحابنا، واقتضى إيراد ابن يونس أن الشهادة تسمع في هذه الحالة وجهًا واحدًا.
وقد ظهر لك مما ذكرناه أن الشهادة قبل الدعوى غير مسموعة، وبعدها وقبل الاستشهاد وجهان، ومحلهما إذا كان المدعى عليه قد أنكر، فلو كان مقرًا لم تسمع وجهًا واحدًا.