يكثر المرور عليها- فإن محاريبها لا تمنع من الاجتهاد، بل لا يجوز إلا عن اجتهاد. نعم، لو نشأ فيها قرون من المسلمين، كان حكمها حكم البلد؛ قاله في "التهذيب"؛ وكذا إذا دخل إلى دار إنسان [يستخبر صاحبها]، ولا يجتهد.
قال: وإن كان في برية، واشتبهت عليه القبلة، اجتهد في طلبها بالدلائل، أي: إن كان يعرفها، والوقت متسع؛ لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا}[الأنعام: ٩٧] وقال عز من قائل: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:١٦]، ولأن له طريقاً يتوصل بها إلى معرفة المطلوب، وهي الاجتهاد، فلزمه سلوكه؛ كالحاكم إذا لم يجد في الحادثة نصًّا.
ومما ذكرناه يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا شك: هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ أو نسي صلاة من الخمس، حيث قلنا: إنه يبني على اليقين فيهما؛ لأنه لا مجال للاجتهاد يهما؛ لفقد العلامات، وهي موجودة هنا.
وإذا كان عليه طلبها بالدلائل، فلو تركه، وصلى [بالاجتهاد] إلى جهة، ثم ظهر أنها جهة [القبلة أو] غيرها، وجبت عليه الإعادة بلا خلاف.
قال في "الذخائر": [وهذا بخالفي ما لو اشتبه عليه إناء طاهر، فهجم، وتوضأ بواحد من غير اجتهاد، فظهر أنه طاهر قبل شروعه في الصلاة-فإنه يصح وضوءه على الصحيح من المذهب؛ لأن المقصود من الوضوء الصلاة وقد وجد حال الدخول فيها العلم بها، بخلاف ما نحن فيه.
وإذا اجتهد وغلب على ظنه في جهة [أنها القبلة] صلى إليها، ولا إعادة عليه، إلا أن يظهر خلافه، كما سيأتي.
والدلائل، قد حكينا عن الشافعي أنه قال: هي الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، ومهب الرياح، ونحو ذلك.
ونسب الإمام عد الريح منها إلى الصيدلاني، وقال: إنه بعيد جداً؛ فإن الرياح