ثم لا يتأتى التمييز فيها، والعلامات تختلف باختلاف البلاد؛ فالنجم المسمى بالقطب الشمالي يجعله المصلي بمصر على عاتقه الأيسر، وبالعراق على الكتف الأيمن.
قال بعضهم: فيكون مستقبلاً باب الكعبة إلى المقام، وباليمن قبالة المستقبل مما يلي الجانب الأيسر، وبالشام يكون وراء المصلي، وقيل: ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلاً، وكلما قرب من الغرب كان انحرافه أكثر.
قيل: وأعدل القبلة قبلة حران؛ فإن القطب بها يكون خلف ظهر المصلي من غير انحراف، وهو نجم صغير واقع بين الجدي والفرقدين، ومحله النصف من الخط الخارج بالوهم من الجدي إلى [الكوكب المنير] بين الرقدين.
وطريق معرفة القبلة بمصر [أن يستقبله ثم] ينزع رجليه من نعليه ويتركهما بحالهما، ويدير قدميه مستدبراً له، وذلك خط الاستواء.
[قالوا]: والواقف فيه كذلك يكون مستقبلاً للجنوب مستدبراً للشمال، والمغرب على يمينه، والمشرق على يساره-ثم يميل قدمه اليسرى إلى شماله قدر شبر، ثم يلحقها الأخرى فيكون متوجهاً للقبلة، والله أعلم.
قال: فإن لم يعرف الدلائل، [أو كان أعمى، قلد بصيراً يعرف]؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣] وقال-عليه السلام- في قصة المشجوج "هلا سألوا إذا لم يعلموا؛ إنما شفاه العي السؤال".
فلو وجد بصيرين يعرفان، واتفق اجتهادهما فلا كلام، وإن اختلف: فهل يجب عليه تقليد أعلمهما وأعرفهما وأوثقهما عنده، أم يجوز [له تقليد] الآخر؟ فيه وجهان:
الذي حكاه القاضي أبو الطيب عن نصه في "الأم": الأول؛ فإنه قال:[قال] في "الأم": "عليه أن يقلد أوثقهما وأعلمهما عنده"، وغيره نسب ذلك إلى ابن سريج،