للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبلها على التزامها، والقيام بها، وإعانة بعدها على عبودية أخرى، وهكذا أبدًا حتى يقضي العبد نحبه. ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} له و {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} به، وما لم مقدم على ما به، لأن ماله متعلق بمحبته ورضاه، وما به متعلق بمشيئته، وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته، فإن الكون كله متعلق بمشيئته، والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي. والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم. فالكفار أهل مشيئته، والمؤمنون أهل محبته، ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدًا، وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته. فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وقد قرن الله تعالى بين عبادته وبين الاستعانة به، والتوكل عليه، وأكد ذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم (١).

قال الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عليهِ} (٢). وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عليهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (٣)، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عليهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (٤)، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ


(١) انظر «مجموع الفتاوي» ١: ٢٢، ١٤: ٨، «مدارج السالكين» ١: ٩٩ - ١٠٠، «تفسير ابن كثير» ١: ٥٢ وانظر ما يأتي في ذكر الفائدة الثامنة والعشرين من فوائد الفاتحة.
(٢) سورة هود، الآية: ١٢٣.
(٣) سورة التوبة، الآية: ١٢٩.
(٤) سورة الرعد، الآية: ٣٠.

<<  <   >  >>