للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بين يدي الاستخارة] [*]

يتعرض المرء في حياته لكثير من الأمور الغيبية النتائج، ويَقْدُم على أمور مجهولة العواقب .. لا يدري خيرها من شرها .. ولا نفعها من ضرها.

ويصاب بالتردد: أيقدم على هذه العمل .. أم لا .. ؟ أيخطب هذه الفتاة .. أم تلك .. ؟ أيشارك هذا الرجل أم ذاك .. ؟ أيطلق زوجته أم يبقيها عنده .. ؟ أيدرس هنا أم هناك .. ؟ أيسافر .. أم لا .. ؟ .

ماذا يعمل .. ؟ وماذا يذر .. ؟ أين الخير .. ؟ يسأل القريب والبعيد .. والصغير والكبير .. والعالم والجاهل .. لعلهم ينصحونه .. وإلى الخير والصواب يرشدونه.

ويعيش حالة من الصراع الترددي .. والقلق النفسي .. وكثيرًا ما يصيبه الهم، ويغشاه الغم، فتشل حركته .. ويعطل تفكيره .. فلا يدري ماذا يفعل، ولا يدري ماذا يذر، حتى يقع أسير الخوف والتردد .. وسجين القلق والحيرة، وحبيس الغيب والمجهول .. لهذا كله شرع الله صلاة الاستخارة علاجاً لتردده .. وحلاً لمشكلته حتى ينقلب التردد ثباتاً، والهم فرجاً، والشك يقيناً، والقلق اطمئناناً .. لِمَ لا .. ؟ وقد استخار العبد ربه الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يضره وما ينفعه، وهو القادر على أن يصرف عنه كل سوء .. ويجلب له كل نفع.

{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير} (١).

فحين تستقر هذه المعاني في نفس المستخير الصادق، يصبح مطمئن النفس، هادئ البال، لما سيكون من أمره.

{قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} (٢).

وحين يطمئن بهذا قلبه، يبيت راضياً بما قدر له، ولو كان ظاهر المقدر شراً، ووقع مخالفاً لرغبته، فالمرء لا يعلم حقيقة الأشياء كما يعلمها الله، ولا يدرك كنه الأمور على ما أرادها الله، ولا يعقل تأويل الحوادث وحقيقة نتائجها.

قال تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (٣) وقال {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} (٤).

وها هنا تظهر حقيقة الايمان بأن الله لا يُقدِّر للعبد المؤمن إلا الخير ولا يريد


(١) آل عمران (٢٦).
(٢) الأعراف (١٨٨).
(٣) البقرة (٢١٦).
(٤) الروم (٧).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع

<<  <   >  >>