لما كان العبد ضعيف الإرادة .. ((وخلق الإنسان ضعيفاً))، كثير الغفلة .. تنتابه شرور الشياطين .. ويتصف أحيانًا بأخلاق الملائكة المطهرين .. تارة يكبو حتى تراه كأنه شيطان، لا يعرف حرامًا ولاحلالا .. يهيم على وجهه في الظلمات .. ينطلق مستجيبًا لغرائزه .. عابداً لشهواته .. ينقض على المعصية انقضاض الوحش الكاسر على فريسته، لا يرعى حرمة ولا عرضًا، ولا خلقًا ولا شرفًا، كأن لا رب يراقبه، ولا خالق سيحاسبه، ولا عذاب أمامه، قد أمن مكر الله وعقابه.
{أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}[الأعراف ٩٩].
فما أجهل هذا الإنسان وما أغفله؟ {وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}[الأحزاب ٧٢].
وتارة يصحو .. حتى يخيل إليك أنه من الملائكة المقربين، يحافظ على صلاته، يداوم على طاعة ربه، يفرق بين حلاله وحرامه، يحسب ألف حساب، {ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}[إبراهيم ٤٣].
كيف لا يحسب لهذا اليوم ألف حساب، ولا يرتعد من هوله عند ذكره .. ففيه يقرّن المجرمون بالأصفاد ... وثيابهم قد قطعت من نار، وفصلت من قطران، وتغطيهم النار من كل مكان.
ولما كان الله سبحانه رحيمًا بعباده، رؤوفًا بخلقه، مطلعًا على أفعالهم، عالمًا بضعفهم، وزلات أنفسهم {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}[الملك ١٤] يحب لهم الاستقامة والرشاد، ويكره لهم العوج والفساد.
{يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم} الآية [النساء ٢٦].
لذلك شرع لهم طريق الإنابة إذا ما اعْوجُّوا .. وفتح لهم باب التوبة،