اعتراف العبد بالعجز والجهل، وأنه لا غنى له عن ربه، لذلك قال:
((فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم)).
قوله: ((وأنت علام الغيوب)).
ثم لما كان العبد قصير النظر، مضطرب الأحوال، لا يرضى بما قُسم له، ولا يقتنع بما قدر له، كان من المناسب جدًا أن يختم دعاءه بطلب الرضى بما سيقدر له، فهبة الرضى من أعظم الهبات، لأن فيها اطمئناناً للقلب، ورضىً عن الرب.
[إزالة إشكال:
وقد يشكل على بعضهم قوله: (إن كنت تعلم) إذ كيف يقول العبد لله: إن كنت تعلم، وهو يعتقد أن الله يعلم.
قلت: لا إشكال في ذلك: إذ ليس لها مفهوم أن الله لا يعلم، وليس من مقتضى قوله: إن كنت تعلم، أي: وإن كنت لا تعلم.
وإنما هذا تعليق بما يعلم الله من خير في الأمر فييسره، وما يعلم من شر في الأمر فيصرفه، وعلى هذا فليس الأمر معلقاً بعلم الله وعدمه، وإنما هو معلق بعلم الله بخير الأمر، أو بعلم الله بشره ..
فالمقصود: تعليق الأمر بعلم الله بالخير المقابل لعلم الله بالشر، وليس المقصود تعليق الأمر بعلم الله أو عدمه، وهذا النوع من التعليق يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب من التعبير، فتنبه.
مثاله: أن يسأل عاملٌ ربَّ عملٍ خبيرٍ صادقٍ عن أمر دنيوي، فيقول له: إن كنت تعلم أن في عملي هذا ربحاً فادفعني إليه، وإن كنت تعلم أن فيه خسارة لي فلا تجعلني عاملاً فيه، أو كمن يقول للطبيب: إن كنت تعلم أن هذا الدواء خير لي من ذاك فالأمر مفوض إليك.
فهذا كله من باب واحد، وهو تعليق الأمر بعلم المسئول بخير الأمر أو شره، لا بعلم المسئول أو عدم العلم.
حقاً إنه دعاء عظيم: ] [*]
مما سبق يتبين: أن هذا دعاء عظيم، حوى أمورًا جليلة، ودقائق لطيفة، وفوائد ظاهرة وخفية.
ففيه الإقرار بتوحيد ربوبيته، والخضوع لألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته ودعائه بها، وفي ذلك أداء العبد لعبوديته، من توكل واستعانة، وسؤال واستغاثة، بعلمه وفضله، وقدرته وكرمه، ثم طلب منح الرضى والقناعة، فمن رضي عن ربه ورضي عنه ربه، فقد نال المفازة، وجاوز السور والقنطرة.
ولو لم يكن من الاستخارة إلا تحقيق ما في هذا الدعاء العظيم، من المعاني العظيمة، لكفى بها خيراً عظيمًا، فكيف إذا زاد على ذلك رضىً قلبياً؟ ! فسبحان من شرع لعباده خيري الدنيا والآخرة.
[ما هي الأمور التي يستخار فيها؟]
الأمور التي تعرض للعبد، تدور مع الأحكام الخمسة:
الواجب والمستحب والمباح والمكروه والمحرم.
فالواجب والمستحب والمكروه والمحرم، لا يستخار في أصل فعلها أو تركها.
لأن الواجب: واجب الفعل، محرم الترك، سواء استخار العبد أم لم يستخر.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع