للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} [الجن ٢٦ - ٢٧].

وإذن من الله لمعرفة الغيب، بإدراك السنن الكونية، واكتشاف الحقائق العلمية.

وما عرفه البشر وسيعرفه، مؤمنهم وكافرهم، من الأمور التي كانت غيبًا من قبل، كاكتشاف الكهرباء، ومعرفة الذكر والأنثى في بطن أمه، وغير ذلك مما يعتمد على العلم لا على الخرافة والدجل، فهو من هذا الباب، باب الغيب المؤقت الذي أناطه الله بأسباب، فهو يغيب بغياب أسبابه، ويظهر بظهورها، وليس من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولم يأذن باكتشافه ومعرفته.

قوله: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ... .. وإن كنت تعلم ... .. ))

[وبعد أن تم التمهيد للدعاء، بمنتهى الحكمة، وحصلت التوطئة للطلب بالتوسل المشروع، شرع السائل بطلب مقصوده .. ولما كان ذلك متعلقاً بعلم الله لا بعلمه، وباختيار الله لا باختياره، علق السائل الأمر بالله

أي: لما كنتَ أنت الذي يعلم عواقب الأمور، خيرها من شرها، فقد فوضت الأمر إليك، لتختار لي ما هو خير، وتصرف عني ما هو شر.

ثم لما كان يُخشى من عوائق تعيق هذا الأمر، ولا يزيلها إلا بالله، بادر بسؤاله التيسير، فقال: فاقدره لي ويسره لي.] [*]

فجماع مقام الاستخارة منوطٌ بثلاثة:

- علم الله، لمعرفة ما هو خير.

- تقدير هذا الخير، وقضاؤه الذي يحتاج إلى قدرة.

- فضل الله الذي لا ينفد، وكرمه الذي لا يرد.

لذا كان من التوفيق العظيم، والحكمة البالغة، أن يجمع بين هذه الثلاثة في دعائه.

فيستفتح دعاءه متوسلاً إلى الله بعلمه، مستعينًا به على اختيار الخير له، ثم أتبع ذلك بما يحتاج إليه بعد الاختيار، من القدرة على الفعل، والإعانة على العمل، لذا استغاث بقدرة الله، وتوسل إليه بهذه الصفة العلية.

ثم ختم ذلك بسؤال الله من فضله وكرمه، كيما يبارك له في المختار، وينفعه به.

وفي هذا تحقيق للتوحيد، بسؤاله بصفاته سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف ١٨٠]

قوله: ((فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب))

هذا إقرار بصفات عظيمة من صفات الله، وبوء بعجز العبد في مقابلها، وفي هذا تحقيق للتوحيد، واستعطاف الضعيف القويَّ، واسترشادُ الجاهلِ العليمَ.

وفي هذا غاية الأدب بالاعتراف بضعف العبد {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر ١٥]، وإقرار بكمال العرفان بفضله وكرمه {واسألوا الله من فضله} [النساء ٣٢].

فإن من أدب الدعاء، أن يحقق العبد العبودية فيه، وأن يقر بذلك في نفسه، وينطق بلسانه، بعلم الله الواسع، وقدرته العظيمة، وأنهما صفتان عظيمتان من صفات الرحمن.

وإن من كمال العبودية، أن يتبع ذلك


[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع

<<  <   >  >>