وبعد: فإن موضوع البدعة من الأمور الهامَّة جدًا، ولقد دأب علماؤنا وأسلافنا منذ الصدر الأول على محاربتها والتحذير منها، عملًا بمقتضى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقاموا عليها بسيوف قاطعة، مرهفةٍ باترةٍ، فاجتثوا شجرتها وكسروا شوكتها، فانحسرت غمومها وانقشعت همومها، وطهروا منها البلاد، وأنقذوا منها العباد.
إلا أنها عادت ونمت، وظهرت وانتشرت، وغزى خطرها البوادي والأمصار، واختلط أمرها على كثير من الأخيار، فأصبحوا لا يميزون بينها وبين سنة سيد الأبرار، ولما رأيت الأمر هكذا؛ أخذت لهذا الأمر أهبته وعملت منذ سنين عدة تنوف عن السبعة على جمعها؛ لكي يكون المسلم على حذر منها ويتقيها، من باب قول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ... لكن لتوقّيه
ومن لم يعرف الخير ... من الشر يقع فيه
وأصل هذا المعنى مستقى من السنة؛ فقد قال حذيفة بن اليمان -رضي"الله عنه-: "كان الناس يسألون رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني .... ". لحديث أخرجه البخاري ومسلم.
وكانت بداية هذا الكتاب عبارة عن سؤال وجهته لشيخنا الألباني مستفسرًا فيه عن كتابه "قاموس البدع" فأجاب -حفظه الله- بشيء من حزن وألم بدى على وجهه أنه فقده أثناء ترحله. وشمرت منذ ذاك الوقت عن ساعد الجد، وأخذت أفتش وأنبش في بطون الكتب والأمَّات، وبين