للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يُظهر عدد اليهود المتميِّزين أكثر من حقيقته أن دارسي الجماعات اليهودية ينظرون إليهم كما لو كانوا يُشكِّلون كلاًّ واحداً. ومن هذا المنظور، فإن يهود اليمن والولايات المتحدة والصين وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وجنوب أمريكا، كلهم يهود في نهاية الأمر. ومن هنا، فإن البحث عن البارزين فيهم داخل أية جماعة يتم دون أية دراسة إحصائية تبيِّن العلاقة بين نسبة هؤلاء البارزين إلى المعدل السائد في كل مجتمع. كما يتجاهل الدارسون أن تَركُّز اليهود في قطاعات وعلوم بعينها يؤدي إلى كثرة البارزين فيها (مهنة الطب والعلوم الطبيعة وعالم التجارة والموسيقى وعلم الاجتماع) . ولكن هذا يعني أيضاً غيابهم عن قطاعات وعلوم أخرى كثيرة أو ندرتهم فيها. كما أنهم يتجاهلون اللحظة التاريخية، فبروز اليهود في مجتمع ما في لحظة تاريخية معينة لا يعني بالضرورة بروزهم الدائم في كل زمان ومكان.

ويتبنَّى أعداء اليهود منهجاً مماثلاً، فهم يركزون على اليهود الذين حققوا بروزاً مشيناً في بعض المجتمعات، وكأن جميع اليهود يُكوِّنون كلاًّ واحداً ولا يقارنون نسبة اليهود الذين حققوا مثل هذا البروز قياساً إلى المعدل الإحصائي السائد في المجتمع، كما أنهم يهملون أخيراً اليهود الذين حققوا بروزاً إيجابياً. ونحن نذهب إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية يحققون البروز والتميز داخل الحضارة التي يعيشون في كنفها وبسبب عناصر موجودة داخلها لا على الرغم منها. وتعود معدلات إبداعهم (وإجرامهم) لا إلى التراث اليهودي وإنما إلى العناصر الحضارية والاجتماعية التي تكوِّن محيطهم الحضاري والاجتماعي.

ويمكننا أن نحاول رصد أسباب بروز وتَميُّز أعضاء الجماعات اليهودية، مقسمين الأسباب إلى قسمين: أسباب عامة تسري على أعضاء معظم الأقليات في العالم، وأخرى مقصورة على اليهود في الحضارة الغربية الحديثة. ولنبدأ بالأسباب العامة:

<<  <  ج: ص:  >  >>