«أسلمة اليهودية» و «تهويد الإسلام» مصطلحان قمنا بسكهما لنصف علاقة التأثير والتأثر بين اليهودية والإسلام. ويُلاحَظ أن مقارنة الأديان ودراسة العلاقة بينهما تنصرف عادةً إلى دراسة الشعائر والمصطلحات ومدى التشابه بينهما، الأمر الذي يؤدي بها إلى السطحية. ففي مجال مقارنة الإسلام باليهودية سيُلاحظ الدارس أن شعيرة الختان وحَظْر أكل لحم الخنزير يوجدان في كل من اليهودية والإسلام (بينما تغيب في المسيحية) . وأن الشهادة في الإسلام تؤكد أن الله واحد، كما أن دعاء الشماع في اليهودية يؤكد أيضاً أن الله واحد، بينما تظهر عقيدة التثليث في المسيحية. ويَخلُص الباحث من ذلك إلى أن الإسلام أقرب إلى اليهودية منه إلى المسيحية.
ولعل الغائب هنا هو أهم شيء وهو النموذج المعرفي الذي يستند إليه النموذج التحليلي والتفسيري والتصنيفي. فهذا النموذج هو الذي يحدد المعنى العميق والكامن (والحقيقي) للشعائر وللدوال سواء كانت كلمات أم صلوات. فالختان داخل إطار حلولي ليس علامة على طاعة الإله وإنما هو علامة على التميز، وقل الشيء نفسه عن قوانين الطعام، بل عن الشهادة والشماع (انظر: «الختان» ـ «الشماع» ) .
وقد قمنا في هذه الموسوعة بمحاولة لمقارنة الأديان من هذا المنظور في مداخل هذا القسم والقسم الذي يليه.
ونحن، في دراستنا، نرى أن ثمة نسقين دينيين أساسييين (بل رؤيتين أساسيتين للكون) ، إحداهما توحيدية ترى أن الله واحد متجاوز للطبيعة والتاريخ والإنسان (ومع هذا فهو يرعاها) ، والأخرى حلولية ترى أن الله يحل في الطبيعة والتاريخ والإنسان فيتوحد الجميع في واحدية مادية كونية يسودها قانون واحد. ونحن نرى أن جوهر النسق الديني الإسلامي هو التوحيدية المتجاوزة، بينما نجد أن النسق الديني اليهودي هو تركيب جيولوجي تراكمي داخله طبقة توحيدية وأخرى حلولية وأن الطبقة الحلولية زادت قوةً وترسخاً واكتسبت مركزية على مرّ الزمن.....