«السحر» هو محاولة التحكم في الطبيعة عن طريق صيغ سحرية خفية. وإذا كانت الطبيعة تعبِّر عن سنن الإله في الكون، فإن تحدي قوانينها هو تحدٍّ للإرادة الإلهية وتحدٍّ لمقدرة الإله. وثمة تمييز دائم بين السحر الأبيض والسحر الأسود، فالأول يهدف إلى حماية الإنسان من الأرواح الشريرة ويهدف الثاني إلى إلحاق الأذى بالآخرين. ولكنه، مهما كان مضمون السحر، أبيض كان أو أسود، فهو يعبِّر عن رغبة إمبريالية فاوستية عارمة في التحكم في الإنسان والكون والإله. والمؤمن بالعقائد التوحيدية يؤمن بإله قادر متجاوز للطبيعة لا يمكن تحدي مقدرته، ومن ثم فالسلوك الإنساني الأمثل هو سلوك أخلاقي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . أما العقائد الحلولية، فترى أن الإله يحلُّ في الإنسان وتصبح إرادة الإنسان من إرادة الإله ومن ثم تصبح السيطرة على الإله ممكنة والوصول إلى الغنوص أو الصيغة السحرية أمراً متاحاً. ولذا، فإن العبادات الحلولية دائماً مرتبطة بالسحر.
ورغم أن الطبقة التوحيدية في التركيب الجيولوجي اليهودي تتبدَّى في الحث على السلوك الأخلاقي، فإننا نجد أن الطبقة الحلولية أكثر شيوعاً وتجذراً. وقد ساعد على شيوع السحر تَنقُّل العبرانيين بين شعوب وثنية تؤمن بالحل السحري (مثل المصريين القدامى والكنعانيين والبابليين ثم الفرس والمراحل الأخيرة من العصر الهيليني) . وقد تبلور كل ذلك في الغنوصية التي تدور حول محاولة الوصول إلى الغنوص والحل السحري، والتي ضمت في صفوفها كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية.....