الاستعمار الاستيطاني (الإحلالي أو المبني على الأبارتهايد) هو انتقال كتلة بشرية من مكانها وزمانها إلى مكان وزمان آخر، حيث تقوم الكتلة الواحدة بإبادة السكان الأصليين أو طردهم أو استعبادهم، أو خليط من كل هذه الأمور (كم حدث في أمريكا الشمالية وفي فلسطين) . ومهما بلغ الإنسان من وحشية وحياد، فهو لا يستطيع القيام بمثل هذه الأفعال إلا إذا كان هناك مبرر، وهذه هي وظيفة الأسطورة (التي نُعرِّفها بأنها نموذج معرفي، أي رؤية كاملة للكون [الإله ـ الإنسان ـ الطبيعة] ، ولكن علاقتها بالواقع واهية إلى أقصى درجة) .
١ ـ إذا كان جوهر الأسطورة، أية أسطورة، هو إلغاء الزمان أو تجميده والانفصال عن المكان، فإن هذا الاتجاه يأخذ شكلاً متطرفاً في حالة أسطورة الاستعمار الاستيطاني بشكل عام، الذي ينطلق من الإنكار الكامل للتاريخ بشكل متطرف، وإعلان نهايته. ويزداد الإنكار حدة وعنفاً في حالة المجتمعات الاستيطانية الإحلالية، التي لابد أن تُغيِّب السكان الأصليين تماماً. ونقطة البداية عند المستوطنين البيض المهاجرين من العالم الغربي هي عادةً رفض تاريخ بلادهم الأصلية، باعتباره تاريخ اضطهاد وكفر. ويحاول المهاجرون أن يضعوا "حلاً نهائياً" لمشاكلهم وأن يبدأوا من نقطة الصفر الفردوسية في الأرض الجديدة. ومع هذا يتباهى هؤلاء المستوطنون بانتمائهم للعالم الغربي الذي لفظهم. ويتضح هذا الجانب في أسطورة الاستيطان الصهيونية التي تبدأ برفض تاريخ اليهود في المنفى (وضمن ذلك العالم الغربي) . والصهيونية هي الحل النهائي الذي يطرحه الصهاينة والاستيطان في صهيون هو نقطة البداية والصفر، ومع هذا لا يكف الصهاينة عن الحديث عن دولتهم باعتبارها واحة الديموقراطية الغربية في الشرق وقاعدة الحضارة الغربية فيه.