ونحن نرى أن البحث عن المقدَّس شيء أساسي بالنسبة للإنسان، إذ يبدو أن الإنسان لا يمكنه أن يواجه عالماً من الصيرورة الكاملة، والحياد الكامل، لا مركز له ولا معنى ولا أسرار فيه، ولذا فهو دائم البحث عن مركز ومعنى، يحاول دائماً أن يستعيد القداسة لعالمه. وهذا يعود إلى أن الإنسان ليس مجرد إنسان طبيعي، مجموعة من العناصر البيولوجية، وإنما يوجد داخله ما يميِّزه عن الطبيعة/المادة. والعلمانية في تصوُّرنا هي محاولة نزع القداسة عن العالم. وما بعد الحداثة تحاول أن تلغي كل الثنائيات ومنها ثنائية المقدَّس والمدنَّس، حتى يصبح العالم عالماً من الصيرورة الكاملة لا هو مقدَّس ولا مدنَّس، ولا هو ثابت ولا متغير، ولا هو أزلي ولا زمني.
تدور معظم رؤى العالم حول ثلاثة عناصر هي في الواقع عنصران اثنان: الإله من جهة والإنسان والطبيعة (أي العالم) من جهة أخرى. ومذهب الحلول أو الكمون (أو الحلولية الكمونية الواحدية أو وحدة الوجود) هو المذهب القائل بأن الإله والعالم (الإنسان والطبيعة) مُكوَّن من جوهر واحد، ومن ثم فهو عالم متماسك بشكل عضوي مصمت لا تتخلله أية ثغرات ولا يعرف الانقطاع ويتسم بالواحدية الصارمة، ويمكن رد كل الظواهر فيه، مهما بلغ تَنوُّعها وانعدام تجانسها، إلى مبدأ واحد كامن في العالم هو مصدر وحدة الكون وتماسكه ومصدر حياته وحيويته وهو القوة الدافعة له الكامنة فيه، ويمكن تفسير كل شيء من خلاله.
ووحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية قد يختلفان في بعض الأوجه الفرعية إلا أنهما يتفقان في الأساسيات والبنية. فكلاهما يرى أن العالم يتكون من جوهر واحد.