«الغنوصية» من الكلمة اليونانية «غنوصيص» ، ومعناها «علم» أو «معرفة» أو «حكمة» أو «عرفان» . وفي التراث العربي الإسلامي، تُستخدَم كلمة «عرفان» عند المتصوفين لتدل على نوع أسمى من المعرفة يُلقَى في القلب في صورة «كشف» أو «إلهام» . و «العرفان» ، حسب تعريف المؤرخين له، هو العلم بأسرار الحقائق الدينية والخصائص الإلهية، وبكل ما هو سري وخفي (كالسحر والتنجيم والكيمياء) ، وهو (من وجهة نظر صاحب العرفان) أرقى من العلم الذي يحصل لعامة المؤمنين البسطاء أو لأهل الظاهر من العلم الديني الذين يعتمدون النظر العقلي، و «العرفاني» هو الذي لا يقنع بظاهر الحقيقة الدينية بل يغوص في باطنها لمعرفة أسرارها. وهي معرفة تقوم على تعميق الحياة الروحية واعتماد الحكمة في السلوك وهو ما يمنح القدرة على استعمال القوى التي هي من ميدان الإرادة (ومن ثم تصبح الإرادة بديلاً للعقل) . فالمعرفة هنا لا تعني العلم، أي اكتساب معارف، بل بذل مجهود متواصل بقصد التطهير والتخلص من الأدران والتوصل للصيغة الغنوصية اللازمة لرحلة العودة للاندماج من جديد في العالم الإلهي الذي جاء منه الإنسان. والغنوصية ترى أن ثمة جوهراً واحداً يجمع بين كل الديانات ولذا لا تقدم نفسها كديانة جديدة، بل كباطن للشريعة القائمة، ومهمة الغنوص الكشف عن المغزى العميق للعقيدة (ولكل العقائد) التي ينتمي إليها الغنوصي بواسطة معرفة باطنية وكاملة لأمور الدين. ويتم التمييز بين الغنوصية كموقف من العالم (غنوص عملي) والغنوصية كنظرية لتفسير الكون (غنوص نظري) ولكنهما بطبيعة الحال مرتبطان تمام الارتباط، وخصوصاً أن الغنوص النظري نفسه ذو توجُّه عملي، فالعرفان يتم التوصل إليه من خلال طقوس وشعائر محددة.....