ويُلاحَظ أن مرحلة التمركز حول الذات (الواحدية الذاتية) لا تختلف في جوهرها عن التمركز حول الموضوع (الواحدية الموضوعية) ومن ثم تنشأ الثنائية الصلبة التي عادةً ما تُحسم لصالح الواحدية الموضوعية.
نموذج الما بعد
من أهم النماذج التي ظهرت نموذج «الما بعد» (ما بعد هي ترجمة لكلمة «بوست post» الإنجليزية وتنويعاتها الغربية المختلفة) . وهو نموذج يشير إلى ما بعد ظاهرة ما دون أن يحدد شكل هذا الما بعد ولا اتجاهه. فهناك على سبيل المثال حديث عن «ما بعد الأيديولوجيا» ، و «المجتمع ما بعد الصناعي» ، و «ما بعد الرأسمالي» ، و «ما بعد الميتافيزيقا» ، و «ما بعد الصهيونية» ، وبطبيعة الحال «ما بعد الحداثة» . ونموذج الما بعد يؤكد أن النموذج السائد (الرأسمالية ـ الحداثة.. إلخ) لم تَعُد له فعالية ولم يعد قادراً على تفسير الواقع الذي يشار إليه بأنه «رأسمالي» أو «حداثي» . ولكن رغم أن القديم قد أخذ يموت إلا أن الجديد لم تتضح معالمه تماماً. ونظراً لعجز الإنسان الغربي عن تسميته الظاهرة الجديدة فإنه يكتفي بالإشارة إليها من خلال كلمة «ما بعد» . وفي تصوُّرنا أن كلمة «ما بعد» تعني «نهاية»(وهي تظهر في اصطلاح «نهاية التاريخ» التي تعني «نهاية التاريخ الإنساني كما نعرفه» ) . ولكن لعل الإنسان الغربي قد وجد كلمة «نهاية» راديكالية وجذرية وتبلور الأمور أكثر مما ينبغي، ولذا اكتفى بكلمة «ما بعد» .
[الباب الثالث: النموذج الاختزالي والنموذج المركب]
النموذج الاختزالى
تشكل أطروحات نموذج الرصد الموضوعي المادي (المتلقي) التربة الخصبة (وليس السبب الوحيد) لظهور النماذج الاختزالية التي تتسم بما يلي: التماسك الشديد ـ البساطة ـ التجانس ـ الواحدية ـ السببية الصلبة ـ الطموح نحو شمولية التفسير ـ الطموح نحو درجة عالية من اليقينية ـ الطموح نحو الدقة المتناهية في المصطلحات.