أ) يبدأ الإنسان العلماني في عالم الطبيعة/المادة، عالم الحواس الخمسة، فيبحث عن الإشباع الفوري والمباشر لحواسه وغرائزه، وعن تحقيق الحد الأقصى من الحرية الفردية والمتعة الشخصية، فلا إرجاء ولا تأجيل لإشباع الغرائز والحاجات، إذ يجب أن تختفي كل الحدود وأن تُزال كل القيود والسدود. وهكذا يركز العقل العلماني على عالم الذات وعالم الحواس والمعطيات المادية، مستبعداً أي شيء يتجاوز ذلك، فالإله والقيم المطلقة أفكار مجردة تجاوز حدوده. ويتزايد التركيز على الشخصي والمباشر والمتعين حتى يصبح جسد الإنسان الحقيقة النهائية والمطلقة الوحيدة وتصبح الأعضاء التناسلية (في الخطاب ما بعد الحداثي) الصورة المجازية النهائية.
ب) مع اختفاء المسافة بين الإنسان والطبيعة/المادة يذوب الإنسان فيا ويفقد ما يميِّزه كإنسان ويجد نفسه خاضعاً للحتميات الطبيعية، الموضوعية المادية. والطبيعة/المادة مجموعة من القوانين المجردة التي لا تكترث بالإنسان ولا بخصوصيته، ومن ثم تختفي تدريجياً كل الأشكال الخاصة والمتعينة وتحل محلها القوانين الطبيعية المجردة، والمعادلات والأرقام.
يتميَّز التمركز حول الذات وحول الموضوع بالصلابة. ولكن في إطار العلمانية الشاملة لا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ تنتقل المنظومة ككل من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة (التي سنرمز لها بـ جـ) .
جـ) يحل المبدأ الواحد في كل الأشياء فتتعدد المراكز ويصبح العالم لا مركز له، وبدلاً من الواحدية الموضوعية تظهر الواحدية الذرية السائلة، حيث تصبح كل ذرة مستقلة بذاتها، ومن ثم ننتقل إلى حالة السيولة.
٣ ـ الجماعات الوظيفية:
أ) الجماعات الوظيفية جماعات تؤمن برؤية حلولية للكون فترى نفسها مركز الكمون فهي مرجعية ذاتها، مكتفية بذاتها، تنظر للآخر باعتباره شيئاً للانتفاع.
ب) في تمركزها حول ذاتها، يتمركز عضو الجماعة الوظيفية حول وظيفته ويفقد ذاته فيها.