[الباب السادس عشر: التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية في العصر الحديث]
التربية والتعليم عند الجماعات اليهودية من القرن الثامن عشر إلى الحرب العالمية الأولى
Education of the Jewish Communities from the Eighteenth Century to the First World War
استمر التعليم التقليدي سائداً بين الجماعات اليهودية في أوربا إلى نهاية القرن الثامن عشر في غربها والتاسع عشر في شرقها. إلا أنه مع تزايد وتيرة التحديث والتصنيع ونشأة الدولة القومية العلمانية الحديثة بسلطاتها المركزية ونُظُم تعليمها العامة، بدأت المؤسسات التربوية اليهودية التقليدية تتساقط لتحل محلها المؤسسات التربوية الحديثة العامة التي أصبحت من أهم أدوات علمنة ودمج أعضاء الجماعات اليهودية.
وساعد في عملية تحديث وعلمنة تربية وتعليم الجماعات اليهودية ظهور شرائح من الجماعات اليهودية مثل يهود البلاط وأثرياء اليهود وبعض المثقفين المرتبطين بهم الذين تأثروا بحركة الاستنارة الغربية وأصبحوا من دعاة حركة التنوير اليهودية. ورأى دعاة التنوير من اليهود في التعليم الحديث وسيلة من أنجح الوسائل لتحديث ثقافة الجماعات اليهودية ودمجهم في المجتمعات التي يعيشون بينها. وقد اتخذت جهودهم في تحديث تعليم الجماعات اليهودية اتجاهين: اتجاه استهدف تحديث منهج التعليم اليهودي وطرق التدريس المتبعة فيه، واتجاه ثان قام على تشجيع أعضاء الجماعات اليهودية على الالتحاق بالتعليم الحكومي العلماني. ووجد دعاة التنوير سنداً وحليفاً في الملوك المطلقين المستنيرين وحكوماتهم التي رأت في التعليم العلماني وسيلة لدمج الأقليات المختلفة وتكوين الدولة القومية وتحديث المجتمع.
اختلف هذا التطور من تشكيل سياسي أوربي إلى آخر. وكذلك باختلاف معدلات التحديث والعلمنة داخل التشكيلات الأوربية المختلفة، وطبيعة النظم التربوية المحلية في كل مجتمع، بالإضافة إلى التراث والأوضاع التاريخية غير المتجانسة الخاصة بالجماعات اليهودية، انعكس على وضع المؤسسات التربوية اليهودية المختلفة وعلى تطورها وعلى مدى اضمحلالها وسقوطها أو استمرارها وازدهارها، وانعكس بالتالي على معدلات علمنة ودمج أعضاء الجماعات اليهودية في المجتمعات التي يعيشون في كنفها.