فمن غير المتوقع أن تشهد إسرائيل موجة هجرة كبيرة على غرار الموجة الأخيرة لهجرة اليهود السوفييت التي أدت إلى زيادة سكان إسرائيل بمعدل ٣% سنوياً خلال الفترة من ١٩٩٠ - ١٩٩٥. بل إن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أنه منذ منتصف التسعينيات (أي بعد حركة الهجرة الأخيرة) أصبح تعداد يهود أوربا الشرقية لأول مرة في التاريخ أقل من تعداد نظرائهم في أوربا الغربية، وهو ما يعني أن المعين الرئيسي قد بدأ ينضب.
والخلاصة أن عام ١٩٩٧ شهد بدايات تفجر أزمة الاقتصاد الإسرائيلي في إطار المشروع الصهيوني، والتي تحتم عليه الاختيار بين ضرورات البقاء الاقتصادي، وضرورات الوجود الاستيطاني. فالاقتصاد الإسرائيلي عليه، بعبارة أخرى، أن يختار بين أن يكون اقتصاداً رشيداً وبين أن يكون صهيونياً استيطانياً.
[الباب الثانى: التوسع الجغرافي أم الهيمنة الاقتصادية؟]
بنية الاستغلال الصهيونية
Structure of Zionist Exploitation
قد يدَّعي الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني أنه تنفيذ للوعد الإلهي وأن استيلاءه على الأرض المقدَّسة هو تنفيذ للميثاق وهكذا، ولكن النموذج الصهيوني لا يفسر الكثير من جوانب الواقع والبنية التي تشكلت فيه. ولذا فالقول بأن هذا الاستعمار الاستيطاني يهدف إلى الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وطرد أهلها أو استغلالهم، له مقدرة تفسيرية أعلى. وفي هذا الباب سنتناول جوانب بنية الاستغلال هذه. فنبدأ بتناول العلاقة الكولونيالية بين الجيب الاستيطاني الصهيوني وما تبقَّى من الاقتصاد الفلسطيني، ثم نتناول التوسعية الصهيونية ومحاولتها الدائبة التهام الأرض الفلسطينية، ثم أخيراًً نتناول بعض التحولات الجوهرية التي طرأت على بنية الاستغلال الصهيونية فيما نسميه «التحول عن إسرائيل الكبرى جغرافياً وظهور إسرائيل العظمى اقتصادياً» .