هذه بعض التعميمات التي يجب التعامل معها بحذر شديد، ويجب ألا يركن الباحث لها وإنما أن ينظر لها باعتبارها مؤشرات عامة، قد تكون مضللة في ظروف معينة. ولذا ينبغي عليه أن يطرح أسئلة محددة، يحاول من خلال الإجابة عليها أن يصل إلى المنحنى الخاص للظاهرة. ولذا بدلاً من أن يتحدث عن " المهاجرين اليهود " بشكل عام، عليه أن يسأل عن نوعية المهاجرين اليهود الذين يصلون إلى المجتمع (مستواهم الاقتصادي - مستواهم التعليمي - مرحلتهم العمرية ... إلخ) . وبدلاً من أن يتحدث عن المجتمع المضيف بشكل مطلق عليه أن يتعامل مع هذا المجتمع في خصوصيته (درجة تقدُّمه - مدى احتياجه لخبرات معينة - نظام الحكم فيه ... إلخ) .
ويمكن أن نضرب مثلاً لذلك باليهود السفارد الذين هاجروا إلى فرنسا في القرن السابع عشر بعد طردهم من إسبانيا. وكانت عملية اندماجهم سريعة بسبب صغر حجم الجماعة اليهودية، ولأنهم كانوا ذوي خبرة بالشئون المالية المتقدمة التي كان المجتمع يحتاج إليها، كما أن لهجة اللادينو التي كانوا يتحدثونها كانت لهجة إسبانية غير بعيدة عن الفرنسية. ومن ناحية أخرى، لم يكن السفارد مختلفين كثيراً عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم الثقافية. ويختلف هذا تماماً عن حالة اليهود الإشكناز الذين استوطنوا فرنسا وغيرها من بلاد أوربا في القرن التاسع عشر، فقد جاءوا من بولندا وكانوا يتحدثون اليديشية، كما أنهم كانوا يشتغلون بأعمال الربا والرهونات وتجارة التجزئة وكانوا مختلفين عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم الثقافية، وكان مستواهم الحضاري بالنسبة للمجتمع الفرنسي مُتدنياً. وهو ما جعل عملية دمجهم طويلة وصعبة ومُعقَّدة.