وقد أشار كثير من اليهود الداعين للاندماج في بولندا إلى يوسيليفيتش باعتباره نموذجاً لليهودي المندمج المنتمي إلى وطنه البولندي. وهو في الواقع من النماذج النادرة، إذ أن غالبية يهود بولندا كانوا مرتبطين بنظام الأرندا الذي جعلهم حلفاء الطبقة البولندية الحاكمة وأعداء لكل الطبقات الأخرى. كما أن ثقافة يهود بولندا اليديشية ساعدت على عَزْلهم لغوياً وثقافياً عن بقية الشعب البولندي. ولم ينجح يهود بولندا في الاندماج في الحركة القومية البولندية، ولذا فقد ظل يوسيليفيتش الاستثناء الذي يُثبت صحة القاعدة. وقد وصلت هذه العزلة إلى ذروتها إبان الحرب العالمية الثانية، حيث لم ينجح أعضاء المقاومة اليهودية في بولندا في التعاون مع المقاومة البولندية في نضالها ضد المستعمر النازي.
الانصهار أو الذوبان
Dissolution
«الانصهار» أو «الذوبان» هو تَزايُد معدلات الاندماج إلى درجة أن أعضاء الجماعات اليهودية يفقدون هويتهم الدينية أو الإثنية الخاصة فيذوبون أو ينصهرون تماماً في الأغلبية بمرور الزمن. ويمكننا تخيل ذلك على شكل مُتَّصل يُشكل أحد طرفيه الانعزال الكامل، وهي حالة نادرة وتكاد تكون مستحيلة، وفي الطرف الآخر الانصهار، وهي حالة ليست متكررة وإن لم تكن محالة. فثمة أمثلة عديدة، عبر تواريخ الجماعات اليهودية، للانصهار الكامل. فلا يمكن تفسير اختفاء أسباط يسرائيل العشرة الذين هجَّرهم الآشوريون إلا على أساس أنهم انصهروا في الشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها. والحالة الكلاسيكية للانصهار الكامل هي حالة يهود الصين (في مدينة كايفنج) حيث انخرطوا في السلك الوظيفي الإمبراطوري فتفرَّق أعضاء الجماعة، خصوصاً النخبة، واكتسبوا سمات وخصائص صينية بشكل متزايد وتزاوجوا مع الصينيين. ومع حلول القرن التاسع عشر، لم يكن قد بقي منهم سوى عدة أفراد لا يزيدون على أصابع اليدين.