وعلى وجه العموم، يمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية قد قبلوا وجودهم في الأوطان التي كانوا يعيشون فيها، وأن الحديث عن المَنْفَى أصبح جزءاً من الخطاب الديني، وأصبحت العودة تَطلُّعاً دينياً وتعبيراً عن حب صهيون، أي تعبيراً عن التَعلُّق الديني بالأرض المقدَّسة وهو تَعلُّق ذو طبيعة مجازية، لا يترجم نفسه إلى عودة حرفية إلى فلسطين، حتى وإن خلق استعداداً كامناً لذلك. ولكن، مع بدايات العصر الحديث والحركة الإمبريالية، وظهور الفكر الوضعي والتجريبي والنماذج المادية العلمانية المعرفية وتفسيرات العهد القديم الحلولية والحرفية، بدأ يظهر في صفوف المسيحيين البروتستانت فكر استرجاعي قوي تَرَك أثراً عميقاً في الجماعات اليهودية في أوربا، وبدأت تظهر حركات مشيحانية تهدف إلى تحويل فكرة العودة من تَطلُّع ديني مجازي إلى عودة فعلية، أي إلى استيطان. وقد تدعمت الفكرة مع ظهور الفكر القومي الغربي والتعريفات العرْقية للإنسان. ومع تَصاعُد الحركة الإمبريالية، بدأت الأفكار الصهيونية تتغلغل بين اليهود، خصوصاً وأن هذا قد تَزامَن مع ضعف اليهودية الحاخامية الأرثوذكسية التي تَقبَّلت المَنْفَى كحالة نهائية. وأخيراً، ظهرت الصهيونية بين اليهود في أواخر القرن التاسع عشر وأخذت من التراث الديني اليهودي ما يتفق مع أهوائها السياسية، واستولت على الخطاب الديني، وحوَّلت كل المفاهيم الدينية المجازية إلى مفاهيم قومية حرفية.
وطرحت الصهيونية رؤية للتاريخ تَصدُر عن تَصوُّر أن اليهود في حالة نفي قسرية فعلية منذ هَدْم الهيكل، وأنهم لو تُركوا وشأنهم لعادوا إلى فلسطين بدون تَردُّد. بل إن التواريخ الصهيونية ترى أن ثمة نمطاً متكرراً فيما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» : نفي من فلسطين ثم عودة إليها، ونفي إلى مصر ثم عودة إلى فلسطين، ونفي إلى بابل ثم عودة إلى فلسطين، وأخيراً نفي إلى أرجاء العالم بأسره ثم عودة نهائية إلى إسرائيل، أي فلسطين.