وتذهب التواريخ الصهيونية والمعادية لليهود إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية لا يستقرون في وطن واحد، فهم دائمو التنقل والترحال والهجرة (وهذا تعبير عن إحساسهم الأزلي بالنفي ورغبتهم الثابتة في العودة إلى أرض الميعاد!) . وتُجرِّد التواريخ الصهيونية هذه السمة وتعتبرها، مثلها مثل سمات أخرى كالهامشية والطفيلية، سمةً مُطلَقة تتصف بها «الهوية اليهودية» وما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» . ولكننا نرى أنه لا توجد «هوية يهودية» واحدة أو «تاريخ يهودي» وإنما هناك هويات يهودية وتواريخ يهودية (أو تجارب تاريخية) للجماعات اليهودية تختلف باختلاف الزمان والمكان. وإذا درسنا هذه التجارب في سياقها المتعيِّن، فسوف نكتشف أن الهجرة ليست سمة مُطلَقة ولا تنطبق على اليهود أينما وُجدوا. فالجماعة اليهودية في إثيوبيا والمسماة بالفلاشاه مكثت مئات السنين في موطنها لا تتحرك منه ولا تغادره، ولم تهاجر إلا في الثمانينيات حينما قامت الدولة الصهيونية بتهجير أعضائها في ظروف المجاعة في أفريقيا لتحرز انتصاراً مذهبياً أمام يهود العالم، ولتظهر مرة أخرى بمظهر الدولة التي "تنقذ" اليهود. كما أن يهود بابل ظلوا في موطنهم منذ الألف الأول قبل الميلاد حتى عام ١٩٥١، حينما قام العملاء الصهاينة المتخفون بإلقاء المتفجرات عليهم ليبثوا الرعب في قلوبهم ولإيهامهم بأن حياتهم تحفها المخاطر. أما اليهود الذين هُجِّرو إلى آشور (أسباط يسرائيل العشرة المفقودة) ، فيبدو أنهم انصهروا تماماً واختفوا. وفي الوقت الحاضر، فإن خروج يهود الاتحاد السوفيتي هو نتيجة حركيات داخلية خاصة بالمجتمع السوفيتي ولانهيار المنظومات الاشتراكية.
ومع هذا، توجد جماعات إنسانية تتنقل بشكل دائم وتنتقل من مكان لآخر، ويعود هذا التنقل إلى ظاهرة إنسانية لها آلياتها وحركياتها التاريخية والإنسانية المفهومة.