ومع إرهاصات التحول التجاري الرأسمالي في المجتمع الغربي في القرن الحادي عشر، ومع ظهور طبقات من التجار والمموِّلين المسيحيين، تم طَرْد اليهود من إنجلترا في عام ١٢٩٠ (ويُقال إن عددهم كان لا يتجاوز أربعة آلاف) ، كما طُردوا من فرنسا عامي ١٣٠٦ و١٣٩٤، فاستقروا في بادئ الأمر في ألمانيا وإيطاليا وشبه جزيرة أيبريا، ولكنهم طُردوا أيضاً من إسبانيا في عام ١٤٩٢ ثم من البرتغال، فهاجروا أساساً إلى شمال أفريقيا وإلى إيطاليا وصقلية. كما هاجرت أعداد كبيرة (نصفهم كما يُقال) إلى الإمبراطورية العثمانية التي كانت تشجع اليهود على الهجرة إليها لتنشيط التجارة. ولقد تدخلت الدول الغربية لمنع هجرة اليهود منها خشية أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام المصرفي والمالي والتجاري، الذي كان اليهود يلعبون فيه دوراً أساسياً. وقد شهدت هذه الفترة سقوط مملكة الخزر اليهودية في القرن العاشر حيث هاجر سكانها إلى المجر ثم إلى بولندا.
ومع أواخر العصور الوسطى، بدأت الإمارات الألمانية في طرد أعضاء الجماعات اليهودية. وقد ساهمت حملات الفرنجة، وهي تعبير عن إرهاصات التحول التجاري الرأسمالي، في اجتثاث جذور أعضاء الجماعات في وادي الراين وغيره من المناطق، فهاجرت أعداد كبيرة منهم إلى بولندا. ومعنى هذا، أن هجرة أعضاء الجماعات اليهودية مع نهايات العصور الوسطى (ابتداءً من القرن الرابع عشر) تأخذ مرة أخرى شكل هجرة من البلاد المتقدمة إلى البلاد المتخلفة نسبياً؛ من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا إلى ألمانيا ومنها إلى بولندا، أي أنها هجرة إلى الماضي. وكان شرق أوربا هو الجهة الأخيرة تقريباً بالنسبة إلى أعضاء الجماعات اليهودية الذين كانوا يُطردون من البلاد المتقدمة نتيجة ظهور طبقات تجار محليين مسيحيين، إذ لم تَعُد هناك جيوب متخلفة أخرى يستطيع اليهود التقهقر إليها في الغرب.