وقد أدَّى تَزامُن هذه الأحداث (طرد اليهود السفارد من شبه جزيرة أيبريا، ثم اهتزاز الأساس الاقتصادي والسياسي لليهود الإشكناز في بولندا مع فَتْح أبواب الهجرة إلى أوربا الغربية، ودخول الدولة العثمانية في طور الجمود) ، إلى تغيير مسار هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا وظهور النمط الحديث، أي هجرة اليهود من البلاد المتخلفة في شرق أوربا إلى البلاد المتقدمة في وسطها وغربها وإلى العالم الجديد. والهجرة اليهودية في العصر الحديث هي أساساً جزء من حركة الاستعمار الاستيطاني التي بدأت في القرن السادس عشر، خصوصاً التشكيل الأنجلو ساكسوني (بعد بداية قصيرة مع الاستعمار الإسباني ثم الهولندي) . وما الهجرة الصهيونية إلا تعبير عن هذا النمط العام. ومع هذا، ظلت الولايات المتحدة هي نقطة الجاذبية الأساسية للهجرة اليهودية من البداية حتى الوقت الراهن، للأسباب التالية:
١ ـ تشكل الولايات المتحدة أهم وأنجح تجربة استيطانية غربية. وقد اجتذبت ثم استوعبت أعداداً كبيرة من المهاجرين من أوربا بلغت أكثر من ٨٠%
٢ ـ الولايات المتحدة دولة علمانية لم تعرف أية تقاليد أو حتى أية رموز دينية إلا لفترة وجيزة للغاية من تاريخها، كما أنها نجحت في إقامة مؤسسات علمانية لاستيعاب وصَهْر المهاجرين و «أمركتهم» وأتاحت لهم فرصة الانتماء الثقافي الكامل لوطنهم الجديد الأمر الذي زاد من جاذبيتها، وذلك على عكس أمريكا اللاتينية التي احتفظت بكاثوليكيتها وبالتالي استبعدت البروتستانت واليهود.
٣ ـ كان اليهود يشكلون جماعة وظيفية مالية تعمل بالتجارة والمال، وبالتالي لم تكن بينهم أعداد كبيرة من العمال أو الفلاحين. والمجتمع الأمريكي هو مجتمع الاقتصاد الحر الذي يشكل القطاع التجاري والمالي أكبر قطاعاته، والذي سادت فيه القيم التجارية الموضوعية. ومن ثم فهو مجتمع ذو جاذبية خاصة بالنسبة إلى المهاجر اليهودي.