٣ ـ وربما تعود هجرة اليهود من البلاد العربية في الخمسينيات إلى مركب من الأسباب؛ منها قيام الدولة الصهيونية وما خلقته من مشاكل لليهود العرب، ومنها ارتباط عدد كبير من أعضاء الجماعات اليهودية بالدول الاستعمارية. ومما لا شك فيه أن التحول البنيوي الذي خاضته بعض المجتمعات العربية، مثل المجتمعين المصري والسوري، وقيام تجارب تنموية تحت إشراف الدولة، قد ساهما بشكل عميق في عملية خروج اليهود، التي لا يمكن رؤيتها كظاهرة منفصلة عن خروج جماعات تجارية وسيطة أخرى مثل الإيطاليين واليونانيين من مصر ممن لم يستطيعوا التلاؤم مع إجراءات التمصير والتعريب والتأميم. وإلى جانب هذا، حققت إسرائيل ليهود البلاد العربية المهاجرين قسطاً من الحراك الاجتماعي باعتبار أن المستوى المعيشي في البلاد العربية أقل منه في إسرائيل. كما أن يهود البلاد العربية لم يكن لديهم الخبرات الكافية المطلوبة في الولايات المتحدة. ويُلاحَظ أن عدداً كبيراً من أعضاء نخبتهم الاقتصادية والثقافية هاجرت إلى فرنسا وغيرها من البلاد ذات المستوى المعيشي المرتفع الذي يفوق نظيره في إسرائيل والتي تتميَّز باقتصاد متقدم ومن ثم تحتاج إلى خبراتهم ورأسمالهم. ومن ناحية أخرى، هاجرت جماهير يهودية إلى فرنسا حينما سنحت لها الفرصة، فقد هاجر إليها معظم يهود الجزائر وأعداد كبيرة من يهود المغرب.
٤ ـ وفي هذا الإطار، يمكن تفسير ظاهرة هجرة يهود أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة، فالهجرة إلى إسرائيل لن تؤدي إلى أي تَحسُّن في مستوى معيشتهم. كما أن التجمع الصهيوني لن يمكنه استيعابهم بخبراتهم المهنية والإدارية المتقدمة.