هذا من الناحية الدينية. أما من الناحية التاريخية، فالأمر أكثر تحدُّداً وتعيُّناً، إذ يدل تاريخ العبرانيين وتواريخ الجماعات اليهودية على أن المسرح الذي دارت فيه أحداث هذه التواريخ لم يكن فلسطين، باستثناء فترة قصيرة للغاية. وحتى حينما كان يوجد في فلسطين حكم يهودي مستقل، لم تكن فلسطين دائماً مركزهم وإطارهم المرجعي، إذ كان لكل جماعة حركياتها المستقلة وتوجهاتها التي يُحتِّمها عليها وضعها الاجتماعي والثقافي المرتبط بوضع البلد الذي توجد فيه. ولذا، يمكن أن نقول إن الحقيقة الأساسية في تواريخ الجماعات اليهودية هي انتشارها في كل أنحاء الأرض وليس تَمركُّزها في فلسطين. والقراءة الصهيونية لتواريخ الجماعات اليهودية، والتي ترى أن اليهود قد تم تشتيتهم قسراً من فلسطين، وأنهم لو تُركوا وشأنهم لعادوا تلقائياً وبشكل طوعي إليها، هي قراءة متحيزة ومغلوطة. فتاريخ العبرانيين في بداياته السديمية يبدأ بهجرة إبراهيم من أور إلى أرض كنعان ومنها إلى مصر. كما هاجر يعقوب ويوسف فيما بعد إلى مصر أيضاً. والهجرة من مكان إلى آخر نمط أساسي في حياة العبرانيين في فترة الآباء (٢٠٠٠ ق. م) التي تنتهي بالـ «خروج» ، أي هجرة موسى وقومه من مصر. وقد آثر بعضهم، بحسب الرواية التوراتية، الاستمرار في الحياة بمصر، فخرج مع موسى «اللفيف» ، أي مجموعات عرْقية أخرى غير عبرية وغير متجانسة. وبعد التسلل العبراني إلى أرض كنعان، وبعد اتحاد القبائل العبرانية فيما يعرف باسم «المملكة العبرانية المتحدة» والتي انقسمت إلى المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية، تم تهجير أعداد كبيرة من العبرانيين إلى آشور (٧٢٠ ق. م) ثم إلى بابل (٥٨٠ ق. م) . ولكن أغلبيتهم العظمى آثرت البقاء خارج فلسطين، حتى بعد أن أصدر قورش الأخميني مرسومه الذي سمح بعودة اليهود إلى فلسطين، ولكن يبدو أن الفقراء فقط هم الذين عادوا. كما كانت هناك فرقة المرتزقة اليهود في جزيرة إلفنتاين التي