تاريخ الهويات اليهودية طويل ومُركَّب ويغطي عدة أزمنة وأمكنة لا يربطها رابط في كثير من الأحيان. وأولى الهويات اليهودية هو ما نسميه «الهوية العبرانية» أي هوية العبرانيين قبل أن يتم تهجيرهم إلى آشور وبابل. وكانت الهوية العبرانية تستند إلى تعريف ديني قومي، كما كان الحال في الشرق الأدنى القديم. ونحن نستخدم مصطلح «قومي» لعدم وجود مصطلح أدق، ونظن أن مصطلح «أقوامي»(نسبة إلى كلمة «أقوام» ) قد يكون أكثر دقة (مع قُبحه) لأنه مُستمَد من الواقع التاريخي القديم إذ تشير الدراسات التاريخية إلى «الأقوام الكنعانية» التي سكنت فلسطين (التي كان يُقال لها آنذاك كنعان) وإلى «الأقوام الآرامية» ، وهي مجموعات بشرية متماسكة على نحو فضفاض، تتصف ببعض السمات القومية، مثل اللغة المشتركة والثقافة المشتركة والدين المشترك، ولكنها ليست شعوباً ولا قوميات بالمعنى الحديث للكلمة. ولم يكن التعريف الديني القومي للهوية العبرانية منغلقاً تماماً، فثمة إشارات عديدة في الكتابات العبرية التي تعود إلى هذه الفترة أو تتحدث عنها إلى الأجنبي أو الغريب (جير) الذي بوسعه أن ينتمي إلى الجماعة العبرانية عن طريق التهود. وجاء في سفر التثنية «لا تظلم أجيراً مسكيناً وفقيراً من إخوتك أو من الغرباء الذين في أرضك في أبوابك، في يومه تعطيه أجرته ولا تغرب عليها الشمس لأنه فقير وإليها حاملٌ نفسه لئلا يصرخ عليك إلى الرب فتكون عليك خطيَّة»(تثنية ٢٤/١٤ ـ ١٥) . وعند الحديث عن هجرة العبرانيين من مصر، أو ربما طردهم، ترد إشارة إلى أن بعض العبرانيين قد تَخلَّفوا فيها، كما خرج معهم «اللفيف»(خروج ١٢/٣٨) ، وهي إشارة إلى جماعات ليست متجانسة عرْقياً ولا تنتمي إلى العبرانيين، ولكنهم على أية حال أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الجماعة العبرانية. وبعد التغلغل العبراني في أرض كنعان، امتزج العبرانيون بالكنعانيين وتزاوجوا معهم. ولكن الحظر التوراتي على الزواج من