أما أهم هذه الجماعات طراً فهي الجماعة اليهودية في بابل والتي رفضت العودة إلى فلسطين (فيما عدا قلة صغيرة) . وقد بدأ أعضاء هذه الجماعة في الاشتغال بالتجارة والربا والانصراف عن الزراعة والتركز في المدن، أي أنهم تحولوا بالتدريج إلى جماعة وظيفية وسيطة تجارية ومالية ونسوا العبرية. وقد كان لهذا التجمع اليهودي علماؤه ومدارسه الدينية وتَوجُّهه الثقافي الذي أخذ يزداد قوة واستقلالاً، حتى أصبح في مرحلة من المراحل مركز اليهودية الأساسي في العالم. ويتضح تَفتُّت الهوية اليهودية في ظهور المفهوم الديني القائل بأن شريعة الدولة هي الشريعة التي يجب أن يتبعها اليهودي في حياته العامة، أي أن نطاق الشريعة اليهودية تم تقليصه بحيث أصبح مقصوراً على حياة اليهود الدينية الخاصة وتعاملاتهم فيما بينهم، ولا يضم حياة اليهود العامة أو القومية. وأصبحت اليهودية (على مستوى الممارسة) ديناً، وتَحوَّل الجانب القومي فيها إلى مجرد رموز وتَطلُّعات دينية وانتماء إثني يضمن للجماعة الوظيفية الوسيطة اليهودية العزلة اللازمة لها. وهذا هو المبدأ الذي لا يزال سائداً بين أعضاء الجماعات اليهودية رغم كل الادعاءات.