في العصور القديمة، كانت اليهودية ديانة توحيدية في محيط وثني، وكانت تكتسب هويتها من هذا التعارض الواضح والبسيط. أما في العصور الوسطى الغربية وفي العالم الإسلامي، فقد اختلف الأمر تماماً، إذ وجدت اليهودية نفسها في محيط توحيدي (إسلامي أو مسيحي) أدَّى إلى انطماس معالمها. ولذلك، حاول علماء اليهود أن يخلقوا هوة بين اليهود وأعضاء الديانات التوحيدية الأخرى، وكان التلمود هو ثمرة هذه المحاولة. وخلال هذه الفترة، ظهر تعريف الشريعة (هالاخاه) للهوية اليهودية، فعُرِّف اليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية أو من تهوَّد. وهذه التعريف هو الذي ساد منذ ظهور اليهودية الحاخامية مع بدايات العصور الوسطى في الغرب حتى بداية القرن التاسع عشر، وبالتالي فهو التعريف الذي يُعَدُّ الإطار المرجعي لكثير من الكتابات والإشكالات التي تُثار حول الهوية اليهودية. وهو تعريف ديني إثني مُغلَق يشبه إلى حدٍّ ما تعريف نحميا وعزرا ولكنه مُتحرِّر من الارتباط بالهيكل. ولذا، نجد أن الحاخامات عارضوا أية محاولة للعودة الفعلية ووقفوا ضد أي ماشيَّح دجال من أمثال شبتاي تسفي، باعتبار أن العودة لا يمكن أن تتم إلا بأمر إلهي سيأتي في آخر الزمان، أي أن العنصر القومي للهوية تم تسكينه وتحويله إلى تَطلُّع ديني، ولكنه مع هذا ظل كامناً.