وإذا كانت هناك هوية يهودية مستقلة نسبياً عن محيطها الحضاري، فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك هوية يهودية عالمية واحدة مترابطة. والواقع أن هناك هويات يهودية مختلفة متعددة بعدد المجتمعات التي تتواجد فيها هذه الهويات، إذ أن انفصالها النسبي لم يؤد بالضرورة إلى ترابط الواحدة مع الأخرى. فيهود شرق أوربا كانوا يكتسبون هويتهم الشرق أوربية اليهودية من خلال اليديشية. وكان اليهود السفارد يكتسبون هويتهم الإسبانية من خلال اللادينو. وكانت كل من اليديشية واللادينو تعزل أعضاء الجماعة عن محيطهم. ومن ثم كان الصدام بين السفارد والإشكناز حاداً دائماً في جميع نقط التماس، سواء في أوربا في القرن السابع عشر أو في العالم الجديد في القرن الثامن عشر أو في المُستوطَن الصهيوني في القرن العشرين.
الهوية اليهودية الجديدة في المجتمعات الغربية الحديثة
New Jewish Identity in Modern Western Societies
«الهوية اليهودية الجديدة» مصطلح قمنا بصكه لوصف الهوية اليهودية الجديدة التي نشأت تدريجياً في العالم الغربي بعد عصر الانعتاق وتَصاعُد معدلات العلمنة حتى أصبحت النموذج السائد فيه. واليهود الجدد هم أصحاب هذه الهوية الجديدة. ويمكن القول بأن الهويات اليهودية المختلفة، بعامة، قد تحدَّدت معالمها وتَشكَّل مضمونها في المجتمعات التقليدية (قبل الرأسمالية) بطريقة مختلفة عن تَشكُّلها في المجتمعات العلمانية الحديثة. فالمجتمعات التقليدية هي مجتمعات تدور حول منظومة عقيدية تستند إلى ميتافيزيقا ومطلقات معرفية وأخلاقية ويأخذ تقسيم العمل فيها شكل الفصل الحاد بين الطبقات والأقليات والجماعات. وبذا اضطلع اليهود فيها بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة (وأحياناً العميلة) المنغلقة على نفسها، شأنهم في هذا شأن الأرمن في تركيا والصينيين في جنوب شرقي آسيا.