٤ ـ المجتمع الأمريكي مجتمع ليس له تاريخ طويل أو تراث مُركَّب، ومن ثم لا تسيطر علىه أية أساطير عرقية أو مفاهيم دينية قديمة ذات امتداد زمني أو ذات جذور تاريخية راسخة. وإن كانت هناك رواسب حملها بعض المهاجرين معهم، مثل الأيرلنديين أو الألمان وغيرهم، فهي مجرد رواسب لم تكتسب أية مركزية ولم تضرب بجذور عميقة. ويقول بعض علماء الاجتماع إن التعصب الأمريكي عادةً ما يستهدف السود بالدرجة الأولى، ثم الكاثوليك بالدرجة الثانية، ولكنه لا يستهدف أعضاء الجماعات اليهودية إلا بالدرجة الأخيرة.
٥ ـ المجتمع الأمريكي هو أكثر المجتمعات علمانية على وجه الأرض، حيث تم فصل الدين والأخلاق وكل القيم عن الدولة وعن رقعة الحياة العامة (أي عن ٩٠% من حياة الإنسان الأمريكي) .
لكل هذا، وجد المهاجرون اليهود أنفسهم في وضع حضاري جديد تماماً، إذ أن المجتمع الأمريكي مجتمع منفتح بمعنى الكلمة، بخلاف المجتمعات الغربية المنغلقة المثقلة بالأساطير القديمة والتقاليد التاريخية والقيم التي ورثتها. ولذلك اندمجوا فيه بسرعة وتهاوت أسوار العزلة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية عنهم، فلم يُضطروا إلى السكنى في أماكن خاصة بهم (الجيتو) ، ولم يُفرَض عليهم أن يرتدوا أزياء مُميَّزة. ولهذا، اختفت بقايا ثقافة يهود اليديشية الإثنية من شرق أوربا، كما اختفت تقريباً اللغة اليديشية ذاتها بسرعة، وكذلك الأمر مع المدارس ذات الطابع اليهودي التقليدي بل وغير التقليدي.